تونس: البلاد مقبلة على ثورة اجتماعية سمير طعم الله
مثّلت الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية في تونس حلقة مهمّة في المسار الثوري الذي شهدته البلاد.
إن هذا لا يعني أن الثورة التونسية حقّقت أهدافها أو لم تشهد محاولات الانزياح بها عن أهدافها الحقيقية وهي أهداف ذات طابع سياسي متمثّل في الحرية والديمقراطية وطابع اجتماعي تمركز في مطلب الشغل والكرامة الوطنية، إلى ثورة تعمل على تغيير النمط الحضاري للمجتمع التونسي الذي تأسس على المدنية والتّحضر وحرية المرأة وحرية اللباس الخ... إلى مجتمع متأسلم، لكن يقظة النخبة السياسية والمجتمع المدني كان صمام الأمان ضد الذهاب بالبلاد إلى حمام دم وفتنة وتقاتل وتكفير وإلى عصور الظلام. فتعالت الأصوات الحرّة المنادية بالتصدّي لمحاولة الإخوان المسلمين بقيادة حركة النهضة، تغيير النمط الحضاري للمجتمع والاستيلاء على الدولة وأخذ الشّعب رهينة، وكان نتاج ذلك اغتيال الرفيق شكري بلعيد، حدث جعل المسار الثوري يأخذ منحى آخر تمثّل في الدعوة التي أطلقها اليسار والجبهة الشعبية إلى عقد مؤتمر إنقاذ وعُزِّزَ هذا المنحى بجريمة اغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي، وتحوّلت الدعوة من عقد مؤتمر إلى تحرّك ميداني جمّع كل القوى السياسية المدنية اعتصام أمام مقر المجلس التأسيسي توِّج بإسقاط حكومة الثلاثي أو ما سمّي بالـ"ترويكا" بقيادة حركة النهضة الإسلامية.
فحصول قوى اليسار الثوري المتمثّلة في الجبهة الشعبية على المرتبة الرابعة بـ15 مقعداً في البرلمان يُعد مكسباً حقيقياً وتقدّم هام في تكريس اليسار وتقدّمه انتخابيا في الحاضر وفي المستقبل خاصة بعد حصول مرشحها للرئاسة الرفيق حمّه الهمامي على المرتبة الثالثة.
ولقد كان موقف الجبهة الشعبية في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية على درجة من الوضوح ومن النّضج حيث دعا الناس والناخبين إلى إنجاح التجربة السياسية وتركيز التداول السلمي على السلطة عبر صناديق الاقتراع بعيداً عن الانقلابات العسكرية والأمنية، كما أنّه خيّر ناخبيه وأنصاره بين التصويت للباجي قائد السبسي أو وضع ورقة بيضاء وقطع الطريق أمام عودة النهضة وممثلها المرزوقي إلى الحكم.
إن عدم مساندة الباجي قائد السبسي في الدور الثاني بشكل صريح وواضح مردّه إلى عدم وضوح برنامج نداء تونس وموقفه من حكومة الفشل ومنظومة الترويكا ورموز النظام الاستبدادي البائد وهو ما سينعكس على مشاورات الجبهة الشعبية وموقفها من الحكومة المقبلة ورئاسة الدولة وسياساتها.
إن حقيقة البرامج الاقتصادية والخيارات الاجتماعية بين النهضة ونداء تونس لا فرق بينهما، فكلاهما يخضع لإملاءات الدوائر المالية العالمية التي تمدّهم بالقروض مقابل رفع الدعم والتفويت في المؤسسات العمومية لصالح الخواص والمستثمرين الذّين لا يراعون حاجة الفئات الاجتماعية الضعيفة ولا هم لهم سوى الرّبح، وهو ما من شأنه أن يجعل خيارات حكومة نداء تونس ورئاسة الباجي قائد السبسي استمراراً للخيارات القديمة التي كانت سببا انطلاق الثورة.
وهو ما ينبئ في المدى المتوسّط بانطلاق ثورة سيكون عنوانها اجتماعياً بحتاً وفي هذه المرّة سيكون قادتها تنظيمات سياسية معلومة مكشوفة الوجه والانتماء..
زد على ذلك الوضع الأمني المتوتّر الذّي أصبح على حافة بركان بما أفرزته حكومة النهضة من انتشار للإرهاب وللخلايا الإرهابية، سيكون ذريعة لشن حملة على الحريات تحت يافطة مواجهة الخطر الدّاهم، وقد عمل نداء تونس في حملته الدّعائية في الانتخابات التشريعية والرئاسية على أساس إرجاع هيبة الدّولة ومواجهة الإرهاب، وهو ما ينبئ بهجمة على الحريات التي اكتسبها الشعب التونسي بدماء الشهداء بعلّة خطر الإرهاب..
وهذا مبرر آخر يجعل من استمرار المسار الثوري في تونس ألا يهدأ ويقظة القوى السياسية الثورية متّقدة وبالمرصاد لكل محاولة الارتداد بالمسار الثوري سواء في المستوى الاجتماعي أو السياسية والحريات. لكن هذه المرّة بسند تنظيمي موحّد تحت راية الجبهة الشعبية وبتجربة نضالية وميدانية جعلت من مناضلي قادة ميدانيين لهم مصداقيتهم وإشعاعهم.