بوضوح: ربيع ديركي ثلوج كانون وترحيل الأزمات
حمل كانون الثاني بشائر البياض الذي غطى جبال لبنان بعد عام من الجفاف، هي نعمة الطبيعة على لبنان المحكوم بطبقة برجوازية تبدّد نِعَمَ الأمطار في البحر من دون الإفادة منها، وتغرق فيها الطرقات بسبّب البنى التحتية التي صرفت عليها ملايين الدولارات وذهبت هدراً وسمسرات، كما تُبدّد تلك الطبقة نِعَمَ الطبيعة من الذهب الأسود المكتشف في سواحل لبنان، باختلافها على تحاصص غنائمه طائفياً ومذهبياً.
البياض الذي غطى لبنان لا يحجب ملفات – أزمة العام الماضي المُّرحلة إلى العام الجديد، على وقع حوارات ثنائية بين أركان النظام السياسي – الطائفي، منها ما بدأ بكلمة سر خارجية، عنوانها حوار هدنة الشحن المذهبي مع الإبقاء على الملفات الخلافية غب الطلب إلى حين انقشاع الرؤية في المنطقة؛ ومنها حوار بين مرشحي رئاسة الجمهورية، الشاغرة، إلى حين انقشاع الرؤية في المنطقة أيضاً، وتوافق الخارج على تسويات؛ أما العنوان الجامع لحواري ثنائيي النظام الطائفي، تنظيم الخلافات بينهم إلى حين تمرير كلمة السر.
وعلى وقع الحوارات الثنائية الفلتان السياسي والاقتصادي والأمني هو الآمر الناهي، من قضية العسكريين المخطوفين لدى الجماعات الفاشية، والنفايات وسمسرات تلزيمها، والفساد الغذائي والصحي والإداري، وصولاً إلى السياسات الاقتصادية والمالية، التي أوصلت، منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، البلد إلى كارثة اقتصادية عنوانها أن معدل الدين العام في لبنان نسبة الى الناتج المحلي القائم من بين أعلى المعدلات في العالم، ومعدلات الفقر والبطالة والهجرة في ازدياد مطرد، تقابله زيادة في أرباح رؤوس الأموال.
إذن، ما العمل؟ سؤال تبدأ الإجابة عليه من سؤال آخر: بمَ نبدأ؟ نبدأ بعدم المراهنة بأن الحوارات السلطوية ستخرج الوطن من أزمات تغذيها الطبقة الحاكمة للحفاظ على مواقعها السلطوية، من هنا تأتي الإجابة على ما العمل؟ بأن تغيير هذا النظام القائم بات ضرورة وطنية مُلّحة، تتطلب تنظيم القوى ذات المصلحة الحقيقية بالتغيير الديمقراطي.
مر الكلام: نديم علاء الدين
2015 جرجرة للازمات
هذا العام يبدو أنّ الملفات الداخلية ليست وحدها التي تثقل عزيمتنا ورزنامة أيامنا وأسابيعنا المقبلة، بل الملفات الإقليمية والدولية أيضاً، حيث تداخلت الاستحقاقات العراقية والسورية الى جانب تلك اللبنانية بشكل منتظم، وأسّست لسلّة واحدة من الأزمات والمشاكل المتراكمة والمتشابكة فيما بينها والتي تؤثر مساراتها بعضها على بعض بنتائجها وتداعياتها كما في حلولها، خصوصاً أنّ تسارع التطورات وتعقدها بدأ يراوح بين حدي الانفجار والانفراج، ذلك أنّ التطورات الميدانية العراقية تتزامن مع تصعيد على جبهة القلمون السورية، ومعها اللبنانية، رغم المحاولات التي توحي بسعي لتهدئة الساحة اللبنانية من خلال حوارات متنقلة ومتفرقة يجري اعتقاد بأنها تريح الأجواء لكن من دون مقاربة للحلول، بما يؤكد أنّ الأفق القريب لا يحمل انفراجات ولن يشهد ولادة واقع جديد، مع ان الواقع اللبناني متقلب ويحمل مفاجآت بين ليلة وضحاها.
ففي طالع أيامنا يستهل العام الحالي ساعاته الأولى على أصوات الرصاص، ودوي المدافع في جرود عرسال، وتبادل الهجمات في مشهدٍ يوحي ببدايات سيئة، قد لا تكون أفضل حالاً من نهايات العام المنصرم، في ظل ارتباك اقليمي ودولي يرخي بتداعياته الثقيلة على الساحة الداخلية. تبدو معه المخاطر قابلة للارتفاع بسبب تداعيات الاوضاع السورية القريبة الى الجانب اللبناني، ولاسيما في البقاعين الشمالي والغربي في ضوء المعلومات عن تمدُّد "داعش" في اتجاه غالبية الجرود المتاخمة للحدود اللبنانية شمالاً والنصرة جنوباً حتى سفوح جبل الشيخ، والمخاوف من عمليات عسكرية ضدّ مناطق لبنانية حدودية، وعودة التقارير الأمنية للتحدث عن سيارات مفخخة جوّالة، ومجموعات نائمة وأخرى مستيقظة، إضافة إلى الجرح المستمر الذي يشكّله ملف العسكريين المختطفين لدى المجموعات الإرهابية والذي يُخشى ان تكون له تفاعلات أمنية وسياسية مع استمرار اللغز الكامن وراءَ الإرباك الرسمي منذ عدة اشهر.
وفي طالع أيامنا أيضاً يستهل العام الحالي بدايته مع استمرار الفراغ السلطوي، من شغور موقع رئاسة الجمهورية لصالح 24 رئيساً، وتعطل مجلس الوزراء عن الفعل والعمل ما عدا الاجتماعات، وشلل المجلس النيابي، بعد اغتصابه للسلطة مرتين، وترنحه أمام القضايا الاجتماعية والحياتية وقانون الانتخاب. في وقت بدأ فيه أركان السلطة أنفسهم، أصحاب تلك المآسي، تمارين حوارية ليتعرف بعضهم على بعضهم عن كثب، يغسلون بها قلوبهم بهدف تنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، بعد أن أبدعوا في تعبئته وتجييشه على مدى سنوات، وبعد ان أخفقوا في تحقيق الانسجام والوئام بينهم وهم جالسون وجهاً لوجه، أو جنباً إلى جنب، لا فرق، داخل حكومة واحدة، يفترض فيها ان تكون مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد والعباد، فما بالنا بنتائج هكذا حوار على تنفيس الاحتقان، أولاً، وعلى عمل المؤسسات وتسيير شؤون الناس وأحوالها. ثانياً، إلا ما قد أضافوه الى حوارهم بالقول انهم تركوا القضايا الخلافية جانباً او خلف ظهرهم، كي لا تفسد للود قضية. فأي قضية تبقى للحوار اذاً، سوى ملء الفراغ وكسب الوقت بانتظار نتائج المواجهة الإقليمية الدائرة والمراهنة عليها.
مرة أخرى، تركة ثقيلة نجرجرها، تجعل من أعوامنا عاماً واحداً ممتداً، لا يحمل أي خير، فلنجعل له بداية تحمل كل خير.