مع الحقيقة: سمير دياب تأشيرة دخول غير أخوية
تنظيم الوضع، والحد من تدفق المزيد من اللاجئين ضرورة. لكن هذه الضرورة بحاجة الى آلية مدروسة مختلفة جذرياً عن هذا القرار الإرتجالي، أو العشوائي، ولن نسترسل ونقول ربما هو قرار خارجي لمزيد من التدخل في الصراع السوري. لكن في جميع حالاته هو قرار عنصري بامتياز، ينعكس فقط على العمال وفقراء اللاجئين السوريين الذين تم استغلالهم سياسياً وطائفياً منذ اللحظات الأولى في لبنان.
من أتخذ هذا القرار، ولماذا الآن، وما هو المستجد في القدرات على ضبط الحدود غير الشرعية، المفترض أن تكون مضبوطة أصلاً. هل الأمر يتعلق بشح المساعدات الخارجية الموعودة، أم هي شروط خارجية لتدفق المساعدات، أم القضية تصفية حسابات..؟؟ هذه الأسئلة لم تكن لتطرح لو أعلن عن خطة وبرنامج وطني للموضوع، أو لو كانت هناك أجوبة مقنعة للمسؤولين، حيث أن التصريحات المعلنة لا تسمن ولا تغني، وما جاء في حديث وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن: "كل سوري غير نازح مرحّب به في لبنان ... وليس هناك من وسيلة أخرى لمعرفة وجهة الداخلين سوى تحديد هذا الأمر مسبقاً عبر الأوراق، أي ما يشبه تأشيرة الدخول... وأضاف ان الإجراءات هي إجراءات تابعة لوزارة الداخلية، وينفّذها جهاز الأمن العام غير المتهم بأنه معادٍ لسوريا، واللواء عباس إبراهيم معروفٌ عنه علاقاته الجيّدة بالجميع، لذلك فالقرار هو تنظيميّ لأن لبنان لم يعد يحتمل".
هذا الكلام في أي خانة يصرف ..!! سياسي أو تبريري إنشائي، يعني أن من يمتلك ألف دولار يستطيع أن يأتي للسياحة الى لبنان، ومن لديه كفيل لبناني يستطيع أن يدخل الى لبنان، إلى ما هنالك من إجراءات معقدة وبيروقراطية، تفتح مزاريب فساد جديدة .. ولا تستهدف سوى العمال والفقراء غير القادرين على توفير لقمة العيش أو التدفئة في عز زيارة العاصفة "زينة" التي ستقتلع مخيمات اللاجئين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. ولا غرابة إن أشرنا الى اللاجئين اللبنانيين فهم يعيشون كلاجئين في نظام الفساد والطائفية والعنصرية وكل السياسات غير المطابقة لأدنى المواصفات الحقوقية والإنسانية منذ نشأة هذا النظام.
أليس قانون الإيجارات ( كمثال) بإشكالياته هو قرار تهجيري وتشريدي وهو بمثابة تأشيرة لجوء 180 ألف عائلة إلى الشارع . إذا كان هذا القانون يشكل نموذجاً لقرارات السلطة بحق مواطنيها فيبطل العجب عند إتخاذ قرار الفيزا المسبقة بحق السوريين، يعني ان هذا القرار بإجراءاته سيعيق حركة التنقلات بالاتجاهين، ويبقي على حال اللاجئين كما هو دون تبديل خوفاً من منع دخولهم مرة جديدة، ويفاقم الأزمة أكثر. عندها السلطات ستلقي القبض على أكثر من مليون ونصف المليون من اللاجئين السوريين بحجة الاقامة غير الشرعية.
هذا القرار لا يشكل حلاً لأزمة ليست سهلة ولا بسيطة من كل النواحي، إنما سيزيد من تعقيداتها وانعكاساتها على أزماتنا الوطنية، وعلى المنفذ الوحيد للبنان، فالبحر أمامنا، والعدو الصهيوني على حدودنا الجنوبية.. وعلى السلطات المعنية ضرورة معالجة الموضوع ومهما كانت الضغوطات والأسباب المعلنة أو غير المعلنة بحكمة ومسؤولية، بعيداً عن المزاجية، أو التعصب والعنصرية، أو المغالاة في ربط تعميم الإرهاب الداعشي بموضوع اللاجئين السوريين.
بالأمس كنا نعيش عصر وحدة المسار والمصير، واليوم أصحبنا نعيش عصر "الفيزا ونظام الكفالة" بين البلدين الشقيقين. عجباً، لنظام سياسي – طائفي لا يورث شعبه سوى الشعارات والأزمات، وحكومات طبق الأصل لا تحيد، عن خط التبعية والارتهان ونقل كتف البندقية، ولا عن مسطرة الشحادة العربية والدولية، وإن غضبت فإنها تصًدر قرارات على شاكلة هذا "القرار غير الأخوي"، وفي تبريراتها أنها تنظم عملية اللجوء، وتحمي اليد العاملة اللبنانية المنسية أصلاً من نظام اقتصادي- رأسمالي يعجز جهابذة الاقتصاد عن تعريفه أو توصيفه.
الدولة العاجزة وحكومتها، ستبقى عاجزة. لا بل أن أطراف النظام السياسي، مسؤولة مباشرة عن تفاقم تداعيات الأزمة السورية وعن أوضاع اللاجئين السوريين وأعدادهم، ولما لم تتطابق الحسابات السياسية والأمنية والمالية مع حسابات الحصاد، جاء القرار كرسالة متعددة الاتجاهات لمن يهمه الأمر، في بلد لم تصل لحكامه بعد "تأشيرة الخروج" من غيبوبة التعطيل والتمديد والأعياد والحوارات والعواصف الثلجية.. وبالتالي، لن تزيد عاصفة القرار وتداعياته في المستقبل إضافة على العواصف الجهنمية القادمة على الوطن وشعبه.