المشروع الوطني في مواجهة خطر المشروع الأميركي د.خالد حدادة
المشروع الوطني في مواجهة خطر المشروع الأميركي
د.خالد حدادة
وانتهى العام، كما في كل عام، على فلسطين... هي البداية وتبقى البوابة في تحديد أي موقف من أي بلد، من أية مجموعة من أي فرد...
انتهى العام، بإشارات متناقضة حولها. المضيء فيها تسارع وتيرة احتضانها ولوبشكل غير رسمي من عشرات دول العالم، من أوروبا إلى آسيا وأميركا اللاتينية. ترافق هذا الاحتضان، مع الانتفاضات الشعبية المتوالية في القدس والضفة التي تلاقي غزة بصمودها، الى شهداء لا يعوزون السلاح ففي كل زاوية وعلى الطريق ينتقون أسلحتهم التي لا تكلفهم، سوى الاحساس بحقهم وبأرادتهم .
أما المؤلم، فهو استمرار الخلاف الفلسطيني، من فتح – حماس، إلى فتح – فتح ...خلاف حول ماذا؟ حول السلطة، سلطة لا تملك حتى جزءاً من صلاحيات إدارة محلية أو بلدية. سلطة لا تستطيع تغطية رواتب موظفيها إلا اذا رأى العدو ضرورة لذلك. سلطة شكلت بتطور دورها عائقاً أمام تبلور شروط انتفاضة حقيقية للشعب الفلسطيني. يستعيد معها هذا الشعب قيادة المقاومة عبر إطار جديد لمنظمة التحرير الفلسطينية يواجه المشروع الأميركي- الإسرائيلي، ويعيد للقضية الفلسطينية مضمونها الحقيقي بحق الشعب بدولة عاصمتها القدس، وبحق أبنائها بالعودة إلى أرضها.
والمؤلم الآخر، ولو غير المفاجئ أو الجديد، هو استمرار تبعية موقف الأنظمة العربية للولايات المتحدة الأميركية، هذه الدولة المسؤولة الأولى اليوم عن ضياع الحق الفلسطيني. حتى الاتفاقات التي جرت تحت رعايتها، من أوسلو إلى كمب دايفيد الى المفاوضات الحالية تتراجع عنها لمصلحة الدولة الصهيونية، لا تحترم أي تعهد إلا قصدها أمن "إسرائيل" ومشروع "الدولة اليهودية" .. تتصرف بثروات العرب وتخوض بها حرباً ضد منافسيها في العالم وتدعم بها العدو ليخوض حرباً ضد الحق الفلسطيني وشعب فلسطين.
من يسكت عن السياسة الأميركية في المنطقة، هو إما، كما الأنظمة الرجعية جزء من خطتها ومشروعها ووجوده مرتبط بنجاح هذا المشروع واستمرار السيطرة الأميركية على المنطقة. وإما بعض ممن تحولت أفكارهم "الجديدة" "والواقعية" إلى أفكار خشبية بعد ان فقدت قاعدتها. كانوا ينظرون لها أي لهذه " الواقعية" عندما سادت فكرة "السادات" عن أميركا التي تمتلك كل الأوراق في المنطقة والعالم التي هي سيدته الوحيدة. أما اليوم وبانفجار الصراع في أغلب مناطق الكون وبما يشبه الحرب الكونية المتقاطعة فإن هذا المنطق، هو الخشب بحد ذاته، هو التخلف، هو الارتهان، ليس لإرادة الولايات المتحدة فقط، بل لإرادة العدو الصهيوني المحددة للسياسة الأميركية في المنطقة.
ان المنطق السياسي يدفع اليوم للقول، إن الدولة التي تقود إعادة تنظيم للمنطقة قائمة على مبدأ التفتيت والحروب الطائفية والمذهبية ومرتكزة على سياسة خلق "الدول الدينية" الضامنة لسيطرتها ... الدولة التي تواجه كل حق للشعوب العربية، فتخوض حرباً ضد مصالح وطموحات شعوبها المنتفضة وترعى تحولها إلى حروب أهلية، تسود خلالها المنظمات الإرهابية. ان دولة تضع الفيتو على ادنى حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها تلك التي لم تحقق اجماعاً فلسطينياً، وعرضت بناء على اتفاق معها على مجلس الأمن، فقط لأن الكيان الصهيوني يرفضها...
ان دولة كهذه، لا يمكن الإشارة لها إلا بصفتها الحقيقية... دولة عدوة، مصادرة لثرواتنا ومتآمرة على قضايانا وأهمها وبأولويتها فلسطين.
وانطلاقاً من ذلك، لا بد لليسار من ان يعود الى لغته "الخشبية" في هذا الإطار ويتمسك بها ويزيدها صلابة، نعم العدو الأميركي ليس الولايات المتحدة الأميركية، كما العدو الصهيوني وليس دولة إسرائيل.
وليكن الموقف من هذه القضية، محدداً للموقف من أية مجموعة سياسية في لبنان والعالم العربي والعالم.
إن النظرة إلى الموقف الأميركي من هذه الزاوية، تلعب دوراً أساسياً في استعادة جوهر القضية الفلسطينية، التي بدأت مأساة شعبها بالتزامن مع سايكس- بيكو واكتشاف النفط وتستمر وتتعمق وتأخذ اليوم أبعاداً خطيرة واحتمالات تهجير جديد لمن تبقى بالتزامن مع مشروع الشرق الأوسط الجديدة ومع تعميق السيطرة الأميركية على القرار بشأن ثروتنا وبشأن النفط.
*******
جانب آخر، سوري هذه المرة، طغى على وسائل الإعلام في نهاية العام الماضي وبداية هذا العام والمتعلق بشكل أساسي بما اسمي التحضير للحوار السوري – السوري في موسكو.
بداية نحن ومنذ ما قبل الأزمة السورية ومن سوريا، أي في 8 آذار 2011، وبهدف تلافي الأزمة أو توحيد الجهود لمواجهة الجانب الخارجي منها، دعونا النظام والمعارضة لحوار وطني، يقوم على ضرورة تلبية حقوق المواطن السوري الاجتماعية والسياسية وعلى ضرورة بناء الدولة الديمقراطية وعلى توحيد القوى بمواجهة التدخل الخارجي الذي كان قد بدأ في مواجهة الانتفاضات العربية الأخرى وأخذ أشكالاً مختلفة بما فيها التدخل العسكري الخارجي ( ليبيا والبحرين) .
ولكن للأسف، فإن النظام تجاهل هذه الدعوة ومثيلاتها، مفترضاً ان سوريا ستكون بعيدة عما يجري في العالم العربي، والمعارضة السورية أخذتها الأوهام المنتقلة من نجاح حركتي تونس ومصر، لترفض منطق الحوار وتتجه سريعاً الى عسكرة الحراك الشعبي وبالتالي الارتهان بجزء أساسي منها ( الذي تحول الى ما يسمى الائتلاف) للقرار الأميركي وللدعم القطري، السعودي التركي وحتى لا ننسى دعم "عقاب صقر".. وحتى لا نبالغ، أخذت الأمور اندفاعتها حتى تصل الى ما وصلت اليه، وفي كل الحالات هذه الاندفاعة كانت أكبر من ان يوقفها نصيحة منا، او موقف من بعض القوى اليسارية والديمقراطية في سوريا.
وفي كل مرة كان يجري الحديث عن " حل دولي "للأزمة"، كنا نعود للتأكيد بأن اي حل دولي وخاصة اذا كانت الولايات المتحدة جزء منه سيؤدي الى تفاقم الأزمة وتهديم اسس الدولة السورية وصولاً لمشروع تفتيت سوريا وتقسيمها. وكنا ندعو دائماً الى حوار داخلي، يرتكز على استعداد النظام الفعلي لتقديم تنازلات لشعبه، وعلى معارضة ديمقراطية مستقلة عن التدخل الخارجي وأهدافه.
واليوم توضح أكثر فأكثر، ان ما يمكن طرحه ليس حلاً للأزمة السورية برعاية دولية. فقسم اساسي من الرعاية الدولية والإقليمية، يتجه إلى تعميق الازمة والدفع باتجاه تقسيم سوريا وتفتيتها وهذا ما اتاح المجال وساعد، على سيطرة القوى الاصولية الارهابية على كل مناطق "المعارضة" بحيث أصبحت المهمة الاساسية والفعلية بعيداً عن الشعارات، أمام "الائتلاف" ومن يدعمه هي ضمان استمرار وجوده الاعلامي لا أكثر ولا اقل..
وكذلك لم نلمس الجدية الكافية لدى النظام باتجاه توحيد القوى المواجهة للمشروع الأميركي وللإرهاب، بإطار مشروع جديد..
اننا نجد فيما يجري التحضير له في موسكو. وكذلك في بعض اللقاءات التمهيدية للمعارضة في موسكو وسواها. بادرة ايجابية، يمكن البناء عليها. وبالنسبة لنا فإننا ننظر إلى لقاءات موسكو المفترضة بين اطراف المعارضة الداخلية والديمقراطية وبين الدولة السورية في مرحلة لاحقة، ليس مشروعاً لإنهاء الازمة السورية بكل مفاعيلها ، بل تأسيساً لإطار سوري واسع، يشمل الدولة والمعارضة الديمقراطية والداخلية السورية، يجد في حقوق الشعب السوري قاعدته ويتجه لمواجهة موحدة، سياسية وشعبية وعسكرية للخطر الخارجي المتمثل بالدور الإسرائيلي وبقوى الإرهاب، هذا الخطر الذي يهدد وحدة سوريا ودورها وحقوق شعبها.
إن المطلوب في موسكو، حواراً داخلياً سورياً، ليس لإنهاء الأزمة بالمفهوم الأميركي الذي يتبناه بعض العرب وتركيا.. بل المطلوب اتفاقاً تأسيسياً لاطار سياسي تتكامل فيه كل القوى المصرة على وحدة سوريا وتطورها الديمقراطي وموقعها في مواجهة الخطرين، الأميركي- الصهيوني من جهة والإرهابي من جهة أخرى.