مع الحقيقة: سمير دياب تغيير الواقع لا تغيير المواقع
"العمال لا وطن لهم"، أو أممية ماركس، مقولة في البيان الشيوعي فسرّت الحقيقة التي تقصدها وهي، أن الرأسمالية تتطور كنظام عالمي، وتتوسع لخلق سوقها العالمي.
في النظام الرأسمالي العالمي توحد السوق، لكن العمال تفرقوا، لا تجمعهم أممية، ولا أفق للاشتراكية. غرباء في أوطانهم، وعبيد في أوطان الغربة، والاستغلال واحد يشتد مع اشتداد الأزمة وتوحش السوق أكثر.
أممية "ماركس" اليوم أكثر راهنية وضرورة مما كانت عليه في أي وقت مضى. وبعد ست سنوات من الأزمة العميقة، يشهد العالم فائضاً في إنتاج البطالة والفقر، وفي سرقة المكتسبات الإنسانية والحقوق الديمقراطية. ويشهد العالم فائضاً في افتعال الحروب على أنواعها، وفلتاناً غير مسبوق من حالات الفساد والفضائح لمصلحة قلة من الطغمة المصرفية والمالية والعقارية الذين دمروا كل شيء بسبب ضروب الاحتيال وبيع أحلام المستقبل للشعوب، وهم ينجون دائماً بأفعالهم وجرائمهم بسبب القوة المفرطة وغياب القوة العمالية البديلة.
فشل الاقتصاديون البرجوازيون في إيجاد حل للأزمة، ولأنهم عاجزون عن ذلك، تراهم يكررون الكلام نفسه حول أزمة " فائض في القدرة الإنتاجية" وهي مصطلحات مموهة للهروب من تسمية الأشياء بأسمائها. إن ما يقصدونه هو فائض الإنتاج الذي سبق لماركس أن شرحه في البيان الشيوعي. هذا هو التناقض الأساسي للرأسمالية، وهو التناقض الذي لم يكن موجوداً في المجتمعات السابقة. أما السبيل الوحيد للقضاء على هذا التناقض فيكمن في تحرير القوى المنتجة من توحش الرأسمالية وإقامة البديل الاشتراكي.
لا تحتاج الطبقة العاملة، اليوم، إلى من يقول لها إن هناك أزمة اقتصادية، لأنها الطبقة التي تعيشها. إنما تحتاج لمن يقول لها كيف السبيل للخروج منها، وكيف ستحل لمصلحتها وليس على حسابها؟ هنا يكمن تمايز اليسار الثوري في النظرية والممارسة.
قد يجتهد البعض من أهل اليسار في بلورة طرق لحلول الأزمة، منها التعايش المؤقت معها حتى تسقط لوحدها بحكم الحتمية التاريخية مثلاً، أو وفق مبدأ الاعتراض أو الاحتجاج الخطابي أو البياني على الأزمة وأسبابها وأنظمتها. أما الطريقة الوحيدة لإنهاء جنون الرأسمالية هي القضاء على الرأسمالية من رأسها لأذنابها وبناء الاشتراكية. ولهذا قامت وناضلت وقاومت الأحزاب الشيوعية قاطبة، من أجل التحرير والتحرر وتقدم المجتمعات وتوفير العدالة وضمان استخدام الموارد المادية والبشرية في خدمة بناء الإنسان واحتياجاته الإنسانية كافة. يعني أن الاشتراكية هي الحل، وهي البديل الوحيد.
قبل أربع سنوات حرّكت الثورات الشعبية في الوطن العربي جبل الجليد، وشكّلت حركة احتلال الساحات تعبيراً صارخاً عن الرغبة في التغيير الديمقراطي. وما بين الرغبة والنتيجة قيل الكثير عنها وفيها وهي في أوجها، ليس من القوى المضادة لها، إنما من بعض المتمركسين الذين غابوا دهراً عن الجماهير، وحضروا لحظة اشراقة الساحات بالشباب والعمال والفقراء ينعون ثورات العصر ويحذرون من البدائل الوهمية والحقيقية، هذه البدائل المتخلفة استفادت أكثر من القوى اليسارية والديمقراطية المنوط بها أن توظف ذلك في خدمة مشروع التغيير الحقيقي، وسبقتها رغم تخلفها عن الحراك في أكثر من ساحة في التقاط اللحظة التاريخية.
طبعاً، ليست المسألة في السباق، إنما في طرح خطة وبرنامج للمشروع البديل. لم ينته الصراع لكنه بدأ، وشعوبنا قامت بواجبها النضالي الاجتماعي والسياسي، وهي دائماً تقوم بذلك، لكن على أصحاب مشاريع التغيير الديمقراطي الطامحين إلى بناء الاشتراكية أن يقوموا بواجبهم النضالي بشكل يجعلهم يستحقون قيادة الطبقة العاملة والثورة. لأن المعركة في مواجهة النظام الرأسمالي العالمي، ومشاريعه، وأدواته القمعية والإرهابية طويلة وشرسة ومكلفة جداً. وبالتالي، لا يمكن مقاومته بتفسيره فقط، أو الاكتفاء بتحليل ظواهر أدواته، إنما بالتحضير الجدي لأدوات عمل قادرة على التصدي له، وهي المهمة – التحدي، أمام قوى التغيير الحقيقية من أحزاب شيوعية وحركات يسارية، لتأكيد حضورها وتفعيل نضالها لتغيير الواقع، وليس لتغيير المواقع.