مر الكلام: نديم علاء الدين لبنان الى مزيد من الاستنزاف
تشير الوقائع والاحداث المتلاحقة حول ملف العسكريين المخطوفين، والاشتباكات المتتالية في جرود عرسال ومحيطها ان الأمور ذاهبة الى منحى خطير.
أولى هذه المؤشرات والوقائع الاعلان القطري عن وقف الوساطة مع إرهابيي "جبهة النصرة" في جرود عرسال لإطلاق سراح العسكريين المخطوفين، فقد عرى الانسحاب القطري من الوساطة موقف الحكومة اللبنانية وأداءها على مستوى هذا الملف برمته، حيث يتبين انها لم تكن على علم او دراية بما يجري، او على الأقل ليس لديها خطة تعمل عليها مع القطريين.
ثاني هذه المؤشرات: ما أعلنته جبهة النصرة عن الاسباب التي أدت الى قتلها الشهيد علي البزال، وهي عدم التزام الجيش اللبناني بأوامرها بالإفراج عن طليقة البغدادي وزوجة أبو علي الشيشاني، ما يعني ان النصرة باتت تتصرف من موقع القوة، فهي التي تقرر او تأمر، وهي اذ نفذت تهديدها بدل المسارعة الى مبادلة المعتقلتين العزيزتين عليها فإنما تستند الى ضعف وعجز الحكومة اللبنانية وقناعتها برضوخها لاحقاً، بالإضافة الى قدرتها على تأليب الساحة اللبنانيّة وحرقها بالصدام المذهبيّ المحتقن، وهذا يناسبها، بل هو جزء من استراتيجيّتها.
ثالث هذه المؤشرات: دور الحكومة اللبنانية طوال مراحل الازمة وصولاً الى الاجتماع الأخير لـ"خليّة الأزمة" التي أبقت قراراتها سرية، لكن البيان المقتضب والضبابيّ والمبهم الصادر عنها يعبر عن حقيقة ضعفها وهزالها، فالبيان لم يصل إلى مستوى دماء علي البزّال، وإلى مستوى دموع ذويه وعائلته وطفلته، ولم يقف، تاليًا، على جديّة تهديدات "جبهة النّصرة" بقتل عسكريين آخرين، حتى بات لبنان، بسبب أداء الحكومة، مخطوفًا من شماله إلى جنوبه، ومن جبله إلى بقاعه، وشرايين عاصمته مقطّعة الأوصال بثورة الأهالي الخائفين على مصير أبنائهم.
رابع هذه المؤشرات: هو دخول تجمع العلماء المسلمين على خط الوساطة بين الحكومة اللبنانية والإرهابيين، بعد بيانه الشهير الذي دان فيه اعتقال الدليمي والعقيلي، بحجة انهن نساء، وهو التجمع الذي دافع مراراً عن الإرهابيين، وهاجم الجيش وحرض عليه في اكثر من مناسبة، وشكل بيئة حاضنة للمجموعات الإرهابية التي وجه لها الجيش عدة ضربات، وكان من بين أعضائه من يقدمون لها الدعم والتوجيه والحماية. ان يتقدم هذا التجمع لتولي المفاوضات مع ما تحمله من تبرئة وتغطية له، ومن خلفه لهذه الخيارات في البلد، إنما يعبر عن تواطوء في السلطة لاستمرار هذا العجز، وتواطوء على استمرار النزف الداخلي و البيئة الحاضنة وهو ما يعكس خيارات إقليمية.
ما يعزّز الخشية، ويؤكد المخاوف من ان "النصرة" التي اعتمدت حتى الآن سياسة القضم الممنهج ستحول معركتها إلى حرب استنزاف، تارة عبر الضغط من خلال ملف المخطوفين والتلويح بقتلهم كلما دعت الحاجة الى ذلك لفرملة خطط الجيش، لتضييق الحصار التمويني عليهم وطورا من خلال تنفيذ كمائن محكمة تساعد على النيل من معنويات الوحدات المقاتلة في الجرود، واستغلال كل نقاط الضعف لدى الحكومة اللبنانية خصوصاً المتمثلة بعدم التوافق الكامل على كيفية معالجة ملف الارهاب، والتخبط الناشئ عن استحالة التوفيق بين الالتزامات الخارجية والمصالح الوطنية، في ظل فراغ سياسي وغياب القرار بصورة عامة وتلهّي المسؤولين بمماحكات تصل الى حد الاستقالة من واجباتهم. فكيف لنا ان نرى عندها الدور الذي سيقوم به تجمع العلماء المسلمين.