الجامعة اللبنانية بين سندان الخصخصة ومطرقة التدخل السياسي د. عماد سماحة
إن ارتفاع وتيرة الترخيص للجامعات والكليات الخاصة يفسر تراجع أداء ومستوى الجامعة اللبنانية، خصوصاً بعدما صودرت صلاحياتها في العام 1997 من قبل مجلس الوزراء، الأمر الذي أدى إلى تعطيل مجالسها التمثيلية حتى الأمس القريب، وفي طليعتها " المؤسسة الأم" مجلس الجامعة الوطنية...
إن التدخلات السياسية والحزبية التي رافقت تقدم حصة القطاع الخاص من إجمالي منظومة التربية والتعليم، ساهمت في تراجع التعليم الرسمي الجامعي وما دون الجامعي، حيث برز من تقدمه سياسة التعاقد الوظيفي بعدما أغلقت أبواب إعداد المعلمين (كلية التربية ودور المعلمين) من جهة، والخضوع لمنطق المؤسسات الدولية وبرامجها المرتكزة الى عمل فوقي وبيروقراطي لا يمت بصلة إلى واقع المدرسة الرسمية الملموس من جهة اخرى...
إنّ الاستقطابين السياسيين لقوى 8 و 14 آذار، ينتهجان الممارسة ذاتها إزاء قضايا المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية، فضلاً عن "الهرولة" باتجاه الحصول على تراخيص جديدة لجامعات ومعاهد وكليات تُلحق بطوائفهم، وبالتالي إلى تعزيز وتكريس المنطق السائد (الدفاع عن حقوق الطائفة، الساحة الطائفية،...) واعتبار لبنان يتكون من مجموعة من الطوائف...
وفي هذا السياق، تأتي رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية لتعكس أجواء المحاصصات بين "الملل" في الهيئة التنفيذية، فضلا" عن تناوب رئاسة الرابطة بين المسلمين والمسيحيين؛ فبعدما كانت الرابطة تلعب دوراً أساسياً في الحراكات الاجتماعية منذ تأسيسها ولها وظيفة رئيسية في هيئة التنسيق في بداية الالفية الثالثة، خرجت منها لتعزل الجسم التعليمي عن الاجواء النقابية والمطلبية العامة، خصوصاً فيما يتعلق بالتعليم الرسمي وبالجامعة اللبنانية، بحيث انحصرت اهتماماتها بإصدار البيانات حول ذلك، وبتحسين راتب الاستاذ الجامعي، على حساب الدفاع عن الجامعة في وجه سياسات المحاصصة و"التوازن الوطني" والتعيينات وغيرها....
لقد بات واضحاً، أنّ الجامعة اللبنانية التي قدمت إنجازات كبيرة منذ تأسيسها في العام 1951 على مختلف الصعد، كانت منذ البدء بتفريعها محط أنظار الهيئات الاقتصادية والسياسيين والأحزاب السياسية، التي نمت في ظل الحرب الأهلية اللبنانية وساهمت بتغيير مجرى صراعها بغية العودة الى الأصول القبلية والعشائرية والعائلية (هذا ما حصل) وهذه الانجازات كبيرة وذات أهمية، ولو ترك الأمر لهذا الصرح العلمي بعيداً من التجاذبات وعن الحروب وعن قرارات "التسييس" لساهم في بلورة دولة المؤسسات والقانون وساهم كذلك في عملية الاندماج الاجتماعي.
إنّ تجربة هيئة التنسيق النقابية في خلال السنوات الأخيرة ، هي تجربة متقدمة عما عداها، وهي غير مسبوقة، وبالتالي من الممكن، بل من الضروري التأسيس عليها مستقبلاً اذا ما توفرت الشروط لذلك، لتصيب الجامعة اللبنانية وآفاق تطورها، إضافة الى المؤسسات الأخرى...
إن ربط إصلاح الجامعة اللبنانية ومواجهة الخصخصة يندرج في إطار خطة لإصلاح شامل للدولة (سياسياً، إدارياً، اقتصادياً وتربوياً...) كما يندرج في تفعيل الأطر النقابية أسوة بهيئة التنسيق "كحد أدنى" فالعمل النقابي الاعتراضي هو الأكثر فاعلية لتحقيق ذلك إضافة الى العمل البلدي والقروي، كما العمل وسط الأحياء الشعبية، وهذا يتطلب استنفاراً وتغييراً في المفاهيم والخطط والأساليب وفسح المجال أمام القدرات والكفاءات الشبابية، لتحتل مواقعها السياسية والحزبية والنقابية وفي الأطر المدنية.
إن التحضير لمؤتمر وطني حول الجامعة الوطنية اللبنانية، تشارك فيه كل مكونات المجتمع لا سيما العاملون فيها، يمكن أن يشكل مقدمة لتطوير هذا الصرح العلمي الكبير بغية تحويله الى مؤسسة وطنية فاعلة تساهم في بناء دولة المؤسسات والقانون، الدولة الديمقراطية العلمانية.