كلمة: موريس نهرا فساد مستشري في بنية نظام يحميه
الأهمية الخاصة للحملة التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور بشأن سلامة الغذاء لا تقتصر على ما كشفته من مخالفات وخلل شمل مئات المؤسسات والأماكن بل لأن هذه الحملة فتحت أيضاً باباً لتسليط الضوء على ظاهرة الفساد في مختلف المجالات الأخرى. فمن الصعب ان يجد المواطن مجالاً واحداً لا يشمله الفساد .. بدءاً من تزوير فاتورة الدواء المستورد، إلى تزوير الدواء نفسه أو تاريخ صلاحيته، وصولاً إلى الفضائح التي يسمع المواطن عنها باستخدام بعض مستشفيات في بعض الحالات، أدوية أو مواد لا يحتاجها المريض أو ليست نافعة، بغرض تضخيم فاتورة الاستشفاء على المريض، أو لافتعال فاتورة وإيراد عمليات بعضها وهمية، لتحصل المستشفى على ثمنها من وزارة الصحة، أو الضمان الصحي، أي من المال العام ..
وكثيراً ما يحصل الأمر نفسه في التلزيمات والتعهدات المتعلقة بالطرق والمنشئات والجسور، ومجاري المياه وغيرها، ومن حق المواطن أن يسأل هل هناك مجال لم ينخره الفساد في بلدنا؟ لقد أصبح من النادر إيجاد مجال خارج نمط الفساد في بلدنا، من المرفأ إلى المطار، إلى المسالخ، إلى معظم مفاصل الإدارة والدولة. ألا يمكننا اعتبار القطاع التربوي – التعليمي مشمولاً أيضاً بنسبة كبيرة من الفساد؟ أليس منح هذا الكم من جامعات الطوائف الخاصة نوعاً من محاصصة الفساد والإفساد المسيء للمستوى التعليمي؟ أو ليست المدارس الخاصة التابعة للمذاهب نوعاً من الفساد والإفساد في تربية الأجيال الناشئة، فتبث وعياً مشوهاً فئوياً بدلاً من الوعي الوطني والإنساني الجامع ؟
ألا يطال التزوير قانون الانتخاب الذي يشكل العامل الأساس في تكوين السلطة، فيؤدي اعتماده على أساس طائفي ودوائر مفصلة على قياس الأطراف السلطوية، إلى إفساد التمثيل الشعبي الحقيقي؟
لا جدال في أن الكشف عن ظاهرة الفساد في الغذاء وفي المجالات الأخرى هو أمر مهم وضروري، ويلقى ارتياحاً على الصعيد الشعبي، لكن الأهم هو في معالجة هذه الظاهرة بما يلغي أسبابها، وهذا يستدعي عدم الاكتفاء بالإعلان عن مساوئ الفساد وأضراره وحتى خطره. فالمعالجة الجدية لا تستقيم بدون تدابير ثابتة تتعلق بتعزيز دور الهيئات الرقابية للدولة، المعنية بمكافحة الفساد في كل المجالات، وبالاستقلالية التامة للقضاء. وبإلغاء حماية الفاسدين ليس في أسفل درجات السلم بل على كل المستويات، وهذا لم يتحقق حتى الآن، ولا يتحقق فعلياً في ظل نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية، التي تشكل الغطاء السميك لانتشار الفساد ولحماية الفاسدين ومنع محاسبتهم. إن المسألة الأساسية في المعالجة تتعلق بتغيير حقيقي يطاول بنية النظام السياسي الطائفي وسلطته التي تستولد الانقسامات والعصبيات، فتغطي الفاسدين والفساد وتجعله ثقافة ونمطاً مستساغاً أو عادياً.