مر الكلام: نديم علاء الدين
لبنان والتمديد: أزمة مفتوحة على كافة الاحتمالات
في الوقت الذي تراوح فيه الملفات الداخلية في لبنان مكانها رغم سخونتها من الملف الأمني الذي يؤرق عيش اللبنانيين ويهدد سلمهم الأهلي، إلى ملف العسكريين المخطوفين وما يحمله من مهانة وابتزاز، إلى الفراغ الرئاسي المديد، إلى الملفات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية الضاغطة بثقلها على أكثرية المواطنين، وجد ملف التمديد للطبقة السياسية الحاكمة وحده الطريق إلى نهايته التعيسة، من خلال التمديد لمجلس النواب أولاً، ومعه الحرص والتكاتف للمحافظة على الحكومة ثانياً، إلى التواطؤ على بقاء الفراغ الرئاسي ثالثاً، ومعها كلها استمرار الأزمة، في مشهدٍ يؤكد أنّ المطلوب اليوم هو المحافظة على الستاتيكو القائم على مستوى إدارة البلاد والتحكم بها، وعلى مستوى المخاطر أيضاً بحيث لا يتمّ القضاء على موجة الإرهاب التي تضرب لبنان وتتهدده بالفتنة والاقتتال والتمزيق، من دون ان تدخل البلاد في فراغ شامل وقاتل غير محسوب، وذلك بانتظار نتائج التحولات السياسية والحروب المنتشرة على مساحة المنطقة وتحديد صورة المستقبل في دلالة واضحة على أنّ لبنان تحول إلى جزءٍ لا يتجزأ من تفاصيل الوضع المحيط، وانضمّ إلى لائحة دوله ينتظر النتائج والتداعيات والارتدادات.
ذهب كثيرون الى القول إن الانتخابات النصفية الأميركية وخسارة الديمقراطيّين للأغلبيّة في مجلسي الشيوخ والنوّاب، ستلجم الرئيس الأميركي في الداخل وتعيق خططه لتحسين شعبيته المتدنية، لذا انطلقت تراهن بقوة على أن الرئيس الأميركي الذي سيكون مقيداً في سياسته الداخلية في وجه كونغرس لا يوافقه على سياسته سيضطر، كما فعل أسلافه ممن وجدوا أنفسهم في وضع مماثل، الى تركيز اهتمامه على السياسة الخارجية التي تبقى من صلاحية الرئيس بشكل أساسي، حيث سيكرس جهده في السنتين الأخيرتين المتبقية من ولايته الثانية للتعويض عن الداخل بإحداث اختراقات مهمة في مناطق التوتر تعيد له وللديمقراطيين ما فقدوه من شعبية، وان ذلك لن يتم بالحروب بل بالوسائل الدبلوماسية ليستنتجوا دفعاً على المسار الفلسطيني -ـ الإسرائيلي، واتفاقاً مع إيران على ملفها النووي، وصولاً الى الموافقة على الخطة الروسية الأخيرة بشأن سوريا.
لا تحتاج هذه الاستنتاجات الى الكثير من الأدلة والبراهين لدحضها وتهاويها، بدءاً من اللوبي الصهيوني وقدرته مع الجمهوريين على لجم أوباما على المسار الفلسطيني، وكذا الأمر بالنسبة إلى الملف الإيراني حيث هناك تلاقٍ ديمقراطي وجمهوري على رفض رفع العقوبات عن ايران مقابل ملفها النووي، بذريعة البرهنة على سلمية مشروعها النووي، وهذه ورقة ابتزاز لآجال طويلة، من هنا توقع المزيد من الضغوط على ايران والتشدد ازاءها بعدما فقدت فرصة انجاز الاتفاق مع الادارة الاميركية قبل الانتخابات النصفية الأخيرة. اما مع روسيا فالعلاقة ستبقى متعثرة مع بوتين من اوكرانيا الى الشرق الأوسط، حيث يذهب المراقبون الى اعتبار نجاح الخطة الروسية إزاء سوريا بعناوينها المعلنة تعني اراحة للوضع السوري، وتعزيزاً للنفوذ الروسي على حساب الأميركي وتكريساً للإخفاقات الأميركية في المنطقة، في وقت لا تزال الإدارة الأميركية تسعى الى الخروج من تعثرها نحو استعادة نفوذها بهجوم مضاد واسع تشنه مع حلفائها لإعادة اقتسام المنطقة ووضع اليد عليها والوقائع الجارية على الأرض في العراق وسوريا تسمح بالقول ان الولايات المتحدة نجحت بإدخال المنطقة في حرب استنزاف طويلة تترجمها خطة محاربة داعش الجوية، من جهة، ودعم اقتطاع زوايا سوريا الثلاث بعمقها الإسرائيلي والأردني والتركي، من جهة ثانية، ما يجعل الوضعين العراقي والسوري مرشحين لمعارك مقبلة على مدى عدة أعوام تصبح معها الخطة الروسية أسيرة وقائع الميدان.
في ضوء ذلك، تزداد الخشية من تحول لبنان مجدّداً إلى ساحة للضغط والضغط المضاد لتكون الحسابات الداخلية والخارجية بعدم إيجاد حلول للملفات الداخلية محكومة بنتائج المواجهة الدائرة والخريطة الجيوسياسية الناجمة عنها.