التمديد كشف إفلاس الطبقة الحاكمة.. والفساد الغذائي امتداد طبيعي للفساد السياسي

ليس من المبالغة في شيء التأكيد بأنّ التمديد الذي حصل للمجلس النيابي، شكله ومضمونه والمبررات التي أُعطيَت له، هو فضيحة حقيقية، ستظل تلاحق الطبقة السياسية التي أقرّته إلى أمد بعيد.

والأنكى من كل ذلك أنّ هؤلاء النواب الممدّدين لأنفسهم، لم يخجلوا من فعلتهم؛ بل راحوا يطلقون المواقف التي تدّعي أنّ إقدامِهم على هذه الخطوة إنّما هو لمصلحة البلد ومن أجل المحافظة على وحدة استقراره، وكأنّهم بذلك يقولون للبنانيين أنّ التمديد سنتين وسبعة أشهر، هو تضحية منهم من أجل الوطن، بعد أن ضحّوا قبلاً بسنة وخمسة أشهر للغاية نفسها؛ مع العلم أنّ المجلس كان طوال هذه الفترة معطّلاً بشكل شبه كامل.

إنّ ما قُدِّم من أسباب موجبة للتمديد لم تقنع أحداً، وخصوصاً تلك المرتبطة بالوضع الأمني. ومن المفيد الإشارة في هذا المجال أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق، وبعد أن اتّخذت كتلة المستقبل قرار التمديد بإيحاء من الرئيس السابق سعد الحريري المستوطن في السعودية، بدأ يربط ما بين الوضع الأمني وعدم القدرة على إجراء الانتخابات، فضلاً عن التشكيك بقدرة القوى الأمنية بحفظ أمن البلد.

أمّا الحجّة الثانية الأساسية التي جرى الترويج لها، فهي الخشية من تعميم الفراغ في مؤسسات الدولة؛ وفي هذا إدانة مسبَقة لأصحابها. فالذي يستطيع أن ينزل إلى ساحة النجمة ليمدّد لنفسه بشكل غير شرعي، قادر بالتالي على انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.

التيار الوطني الحر الذي رفض المشاركة في جلسة التمديد ما زال يُظهر الطعن بالقانون إلى المجلس الدستوري. ولكن مع أهمّيّة ذلك هناك سؤالان يفرضان نفسهما: الأوّل: هل سيعمد نواب التيار إلى الاستقالة في حال لم يعطِ الطعن أيّة نتيجة؛ وبالتالي فإنّ هذه الاستقالة تعطي مصداقية للاعتراض من جهة؛ ومن جهة ثانية، تضع الأطراف الأخرى أمام واقع جديد، وستضطّر في النهاية على القبول بإجراء الانتخابات، ولكن من الواضح، وقد أعلن نوابه ووزراؤه مراراً، أنّ خطوة الاستقالة غير واردة.

والثاني: كيف يقبل العماد عون في حال جرى التوافق عليه كرئيس للجمهورية أن ينتخبه مجلس نيابي مطعون في شرعيّته وميثاقيّته؟  وما هذه الازدواجية في التعاطي والمعايير؟

ويُحذّر المصدر الأمني من خطر فتح عملية عسكرية جديدة واسعة في عرسال، وذلك بالتزامن مع إعادة تحريك بعض الخلايا النائمة حتى الآن في الشمال؛ مع أنّ مصادر دبلوماسية غربية أبدت ارتياحها لنجاح الجيش في معركة الشمال مع الإرهابيين، والاستمرار في ملاحقة وتوقيف هؤلاء في مختلف المناطق، فإنّها في الوقت نفسه تتخوّف من تطوّرات أمنية غير محسوبة تترافق مع مستجدّات الوضع العسكري في سوريا. ولاسيما على الحدود مع لبنان؛

ومع كل هذا العجز والفشل لدى الطبقة السياسية المتحكّمة بالسلطة في لبنان، فإنّ حقيقة الأزمة هي في هذا النظام الطائفي الذي لا يتمخّض عنه سوى الأزمات والرهان على الخارج، الذي لا تجري رياحه بما تشتهي سفن زعماء الطوائف والمذاهب. ومن هذه الزاوية، يمكن فهم أسباب هذه الأزمة الشاملة التي يتخبّط فيها لبنان، واليوم الجميع يراهن على ما ستسفر عنه المحاولات الجارية في عُمان بين الدول الستّ الكبرى وإيران حول الملف النووي؛ على أمل أن تفتح هذه المفاوضات صفحة بالعلاقات الإيرانية- السعودية تنعكس إيجاباً على لبنان وتؤدّي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. واستطراداً إعادة بناء المؤسسات الدستورية المعطّلة "وعيش يا كديش".