الإقليم والسموم والمواطن محمد عبدو
إقليم الخروب منطقة ممتدة من ساحل الجيّة – سبلين الى أعالي شحيم – عانوت مروراً بالبرجين الدبيه الى السعديات، وقد سمي كذلك قديماً لكثرة أشجار الخروب "الخرنوب" الذي يصنع منه دبس صحي وطيب، وقد انقرضت أشجار الخرنوب هذه لصالح الزحف الآتي عن طريق البناء العشوائي، ولصالح المعامل المنتشرة بغبارها وغازاتها السامة.
أولاً، واقع إقليم الخروب:
أول المصانع الحرارية لإنتاج الكهرباء كان معمل "الجيّة" الذي أقيم في منطقة "زاروت" التي كانت عقارياً تتبع بلدة "برجا" ثم ألحقت أيام كميل شمعون ببلدة الجيّة، لأسباب سياسية انتخابية.
في السبعينيات وأيام رئاسة سليمان فرنجية أعطى كمال جنبلاط رخصة بناء معمل الترابة في سبلين، وكان جنبلاط قد ورث معظم أراضي سبلين عن أجداده، وحاول تأسيس المعمل المذكور لتطبيق بعض مبادئه الاشتراكية عن طريق إفساح المجال أمام المساهمين من المواطنين.
أيام حكم "الإدارة المدنية" في الثمانينيات استطاع بعض المتنفذين من وضع اليد على منطقة واسعة من شاطىء الجيّة الجنوبي بالقررب من المعمل الحراري (جينكو)، وفي الوقت نفسه استطاع بعض أهالي الجيّة من استثمار منطقة جرداد بين الجيّة وبعاصير لإنشاء كسارة عرفت في ما بعد باسم كسارة كجك، وغيرها.
وعندما بدأت الكهرباء في لبنان تعاني نقصاً في الإنتاج لجأت الدولة الى استئجار باخرتين تركيتين لمساعدة معمل الجّية في سد العجز، فكانت باخرة "لوربان بيه" وزميلتها ذات التوربينات والدواخين العشرة العملاقة.
ثانياً، التلوث في الإقليم:
وهكذا أصبح الإقليم مزروعاً بالبيوت والفيلات والمصانع على اختلاف أنواعها، ملوثة وغير ملوثة – وهي قليلة، والملوثة الأساس في هذه المنطقة هو معمل ترابة سبلين الذي انشىء على مرحلتين. ومنذ تأسيسه في السبعينيات، وعندما كانت المنطقة الشمالية للمعمل خالية من البناء، والناس يطالبون بتركيب "فلاتر" (جمع فلتر)، للمداخن العالية التي تنفث كل يوم الآلاف من أطنان الغبار المحشو بالمواد السامة.
الإدارة الحالية للمعمل، كما السابقة، كانت تعد المواطنين المطالبين بتركيب الفلتر، حتى أن آخر موعد (وعد) بتركيب الفلتر الذي كان في أواخر 10 شباط الماضي.
أما ما تنفثه أبراج معمل الجيّة وشريكاته التركيات والبالغ عدد دواخينها 14 مدخنة فهي تنفث كل ما يحتاجه مرض السرطان من غازات و"أكاسيد" (*) تنتشر على مساحة قطرها أكثر من 10 كلم.
هذا ويتلقى أبناء الاقليم غازات ومعادن سامة، وهي: ايوكسين، كلورايد، أوكسيد الكربون الأول والثاني، وغيرها.
أما المعادن المسرطنة التي تتصاعد من الغبار والدخان فهي: الرصاص، الزئبق، وغيرهما أيضاً. والنواب الثمانية لا يعرفون ماذا يأكل أهل الإقليم، وماذا يتنفسون؟
لم يبق في الإقليم لا خروب ولا زيتون ولا لوز ولا عنب ولا تين.
ثالثاً، الأمراض التي تنتجها هذه السموم:
السرطان الذي انتشر بشكل مخيف إلى جانب انتشار الأمراض الصدرية (الربو، ضيق التنفس)، والأمراض الجلدية وقد ظهر مؤخراً مرض لم يكن معروفاً أو منتشراً من قبل وهو مرض "اسبستول" Espestol وهو مرض صدري يبدأ بالسعال الحاد وينتهي بالموت ويصيب بشكل رئيس الأطفال والمسنين.
ما العمل إزاء هذا الوضع المخيف؟
الحلول الموقتة طرحها وزير الصحة بأن يوزع أدوية الأمراض المزمنة والمسرطنة مجاناً، ونقترح على وزارة الصحة أن يكون مركز التوزيع الأول لهذه الأدوية في منطقة قريبة جداً من معمل سبلين، أما الحل الجذري وهو حق المواطنين الذي طالبوا بعدم تحويل كسارة الكجك الى مطمر للنفايات، وذلك بغياب جميع نوابهم وبمبادرة من بعض مسؤولي البلدة.
قيل قديماً "أحسن دوا هو شم الهوا"، فهل بقي عندنا في الإقليم وفي لبنان هواء نستطيع ان نستنشقه؟ الانتخابات المقبلة هي بداية الحل سواء أكانت نيابية أم بلدية. والمسؤولية على القيادات السياسية، لأن المجتمع كالسمكة تتنفس من رأسها و "التلم الأعوج من التور الكبير"، والانتخابات على الأبواب، فإذا حصلت هناك يجب أن يكون الرد.
(*)- أكاسيد جمع أوكسيد Oxyde