الحدث: مصطفى العاملي: لبنان غارق في "نفاياته" المنوعة وينتظر تطورات ما بعد قرار بوتين
فرض القرار المفاجىء الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاضي بسحب الجزء الأكبر من قوات بلاده الموجودة في سوريا، نفسه على المشهد السياسي في المنطقة ككل، خصوصاً أنه يتزامن مع انطلاق مؤتمر جنيف ثلاثة للمفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة.
وأثار هذا القرار وما زال الكثير من التساؤلات حول أبعاده وأهدافه وتأثيره على الأزمة السورية ككل، وكيف ستتعاطى الأطراف المعنية مباشرة معه، ولا سيما النظام السوري، الذي حرص على التأكيد بأن الخطوة الروسية جاءت بالتنسيق معه بكل تفاصيلها، وبالتالي ليس مفيداً الذهاب في الاستنتاجات التي وصل اليها البعض حول تخلي روسيا عن الرئيس بشار الأسد وأكبر دليل على ذلك الإتصال الهاتفي المطوّل الذي جرى بين الرئيسين بوتين والأسد واتفق خلاله على كيفية الإعلان عن القرار الذي لم يكن وليد ساعته ولا ردة فعل على حدث أو موقف من هنا وهناك، بل جاء استجابة لمعطيات تحققت بعد نحو خمسة أشهر من التدخل العسكري الروسي.
والواضح أن الخطوة الروسية تمت بالتنسيق المباشر مع الولايات المتحدة، وترمي حسب المصادر الى إعطاء دفعة قوية لمفاوضات جنيف ومحاولة للوصول من خلالها الى تسوية سياسية للأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس وفي ذلك مصلحة لكل من الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يريد أن يسجل انجازاً في سياسته الخارجية قبل أن يغادر البيت الأبيض، مع العلم أن هناك مسعى مماثل يبذل للوصول الى معالجة للحرب الدائرة في اليمن، وهناك معلومات تؤكد أن واشنطن تمارس ضغوطاً كبيرة على السعودية في هذا الإطار، وترجمت بزيارة وفد من الحوثيين الى الرياض للبدء بمفاوضات توقف آلة القتل المجانية بحق الشعب اليمني.
واذا كانت هذه بعض أهداف أوباما الذي يحتفظ بإنجازه الأبرز وهو الملف النووي الإيراني الذي ساهم في إعادة طهران الى الحظيرة الدولية، فإن ما يرمي اليه الرئيس الروسي الذي أبقى على قاعدتي طرطوس وحميميم ومنظومة "أس 400" في سوريا، أهداف كثيرة من وراء هذا القرار الذي اتخذ بعد أن حققت قواته انجازات كبيرة على الأرض ساهمت في تعديل موازين القوى على الأرض، وبعد أن فرض روسيا عاملاً أساساً لا بل أول في المنطقة، ومن أبرز هذه الأهداف إسقاط الحجج التي تقف وراءها العديد من الدول الأوروبية لفرض الحصار الاقتصادي على روسيا، والتقليل قدر الإمكان من أعباء الحرب العسكرية في سوريا، وفتح أبواب الحوار مع أوروبا بشأن أوكرانيا، وهذه نقطة جوهرية تتحكم بالحركة الروسية، كون موسكو تريد إضفاء شرعية دولية على ضم أوكرانيا، وفي الوقت نفسه إعادة العلاقات الى طبيعتها مع كييف. وفي انتظار أن تتوضح أكثر أهداف القرار الروسي الذي خلط الأوراق السياسية والعسكرية في المنطقة وسوريا خصوصاً، فإن أولى نتائجه المعلنة مسارعة معارضة الرياض الى القبول بالدخول في مفاوضات مباشرة مع وفد الحكومة السورية في جنيف.
وفي ما العالم ما زال يحلل الأسباب التي دفعت موسكو الى ارسال قواتها الجوية والبحرية للقتال في سوريا ومن ثم سحب جزء منها، فإن لبنان ما زال غارقاً في أزمة نفاياته المستمرة منذ ثمانية أشهر ولم يجد حتى الآن القرار المناسب للتعاطي معها. واذا كانت الحكومة وصلت مؤخراً الى اتفاق على خطة المطامر فإنها حتى الآن لم تحدد ساعة الصفر للبدء في تطبيقها بانتظار إزالة العراقيل والعقبات التي تعترضها، وهي كثيرة، سياسياً وشعبياً لا سيما أن مثل هذه الخطة التي رفضت في السابق يكتنفها الغموض وتحوم حولها الشبهات وتفوح منها روائح الفساد والمحاصصة، فضلاً عن أن الجيش بلغ المعنيين انه ليس على استعداد للدخول في أية مواجهة مع المواطنين الذين سيعترضون على المطامر، خصوصاً بعد أن وضعتهم الحكومة أمام خيارين: إما القبول بها مع ما يعني ذلك من موافقة على هذه المعالجة غير الصحية والكلفة العالية التي ستترتب عليها، وإما القبول بتكدس الزبالة في الشوارع والأحياء وعلى مجاري الأنهر...
واذا كان من الصعب فصل فضيحة النفايات عن الأزمة السياسية التي يتخبط بها البلد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا وصلت الأمور الى هذا المستوى، وهل يمكن أن تنعدم الحلول البيئية والصحية لمثل هذه المشكلة، مع أنه خلال الأشهر الماضية طرحت العديد من الخطط والاقتراحات من قبل الجمعيات وأصحاب الاختصاص ورفضت الحكومة التعاطي معها، وذهبت الى خيار الترحيل الوهمي وما تخلله من سيناريوهات غير واقعية عملياً لتعود الى خطة المطامر التي جرى توزيعها مناطقياً، وفق سياسة محاصصة واضحة بين قوى السلطة، حيث نال كل طرف حصته ومن لم يحصل على نصيبه من "كعكة الزبالة" توفر له باب آخر للسرقة ليعوّض ما فاته من هذه الخيرات، إما على شكل عطاءات ورشى، وإما على شكل مشاريع في هذه المنطقة أو تلك، وفي النتيجة خرج الجميع راضياً شاكراً، وما بعض الأصوات التي ترفع من هذا الفريق أو ذاك في السلطة إلا لذر الرماد في العيون وللتنصل من مسؤولية المعالجة التي تتم على حساب المواطن وصحته وللتهرب من دفع أموال البلديات، لا بل السطو عليها ولإعادة شركة سوكلين وأخواتها من الباب العريض، مع ما يعني ذلك من إمعان في قهر اللبنانيين وتحميلهم أعباء إضافية بفضل حكومة فاشلة امتهن المشاركون فيها سياسة السرقة والفساد في ظل أزمة سياسية غير مسبوقة يتخبط بها البلد نتيجة الفراغ الرئاسي المستمر منذ نحو سنتين وما نتج عنه من تعطيل لباقي المؤسسات الدستورية وصراعات بين أطراف السلطة الذين سلموا قرار البلد ومصيره الى الخارج، حتى باتوا مجرد دمى تتحرك وفقاً لإرادته ومصالحه، وهي في هذه المرحلة تتوزع في البلدان الأكثر سخونة، ولذلك فإن لبنان سيبقى محكوماً بحالة الانتظار التي يعيشها منذ فترة الى حين حصول تسوية أو تسويات للكثير من الأزمات التي تشهدها المنطقة، وهي ليست ناضجة الآن، وأكبر دليل على ذلك الصراع المتفاقم بين إيران والسعودية، وهما لاعبان رئيسان في الأزمة اللبنانية، نظراً لما يتمتعان به من نفوذ و "مونة" على بعض القوى السياسية التي تتبادل اليوم الاتهامات حول مسؤولية الإخفاق في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حتى وصلت الأمور الى ما يشبه الطريق المسدود ولا سيما بعد إقدام الرئيس سعد الحريري على ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بترشيح العماد ميشال عون، الأمر الذي أطاح عملياً باصطفافي الثامن والرابع عشر من آذار من دون أن يساعد في حل الأزمة الرئاسية، وإن كان البعض يحمّل الرئيس الحريري مسؤولية رفع منسوب التوتر المذهبي، بعد عودته من الرياض، من خلال تصعيد انتقاداته لحزب الله وتحميله مسؤولية الأزمات التي تعصف بالبلد، مستنداً الى دعم سعودي واضح التوجه تجلى في الإعلان عن وقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى، واتخاذ إجراءات وتدابير عقابية ضد لبنان بشكل عام، في محاولة لقلب الطاولة على رؤوس كل من لا يشارك في الحملة ضد حزب الله وتدخله في سوريا وعلى الانتقادات التي يوجهها أمينه العام السيد حسن نصر الله ضد القيادة السعودية.
ورغم وصول العلاقة الى هذا الحد من التصعيد فإن الطرفين يحرصان على إبقاء شعرة التواصل بينهما قائمة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال جولة الحوار الثنائي التي عقدت الأربعاء الماضي في عين التينة، وهو برأي مصادر سياسية مطلعة جزء من المظلة الإقليمية – الدولية التي ما زالت تحرص على عدم دفع الأمور في لبنان الى حد الفلتان الشامل، ومن هذه الزاوية أيضاً تفهم الأسباب التي ما زالت تحول دون تطيير الحكومة رغم فشلها وعجزها وعدم قدرتها على التعاطي مع أي من الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة.
الوضع الداخلي سيبقى يدور في الحلقة المفرغة الى أن تنضج التسوية التي يجري إعدادها للمنطقة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، وحتى ذلك الحين سيبقى لبنان يعيش أزمة مفتوحة على كل المستويات وخصوصاً على الصعيد السياسي في ضوء تعثر انتخاب رئيس للجمهورية، مع أن مصادر سياسية أعربت عن تفاؤلها بقرب انجاز هذا الملف، وأن هناك لقاءات واتصالات تجري بعيداً من الأضواء في هذا الشأن وقد بدأ البحث عن مرشحين بدائل للعماد عون والنائب فرنجية، بعد أن ثبت بالملموس أن ليس لدى فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، رغم التصدع الكبير الذي أصابهما، أي استعداد لتنازل أي منهما للآخر، نظراً لانعدام الثقة بينهما، ولأن الصراع ما زال قائماً بين الرياض وطهران.
والسؤال الى متى يمكن أن يصمد هذا الوضع في ظل المخاطر الناجمة عن الجماعات الإرهابية التي سعت وتسعى للنفاد من هذا الخلل السياسي في البلد لإحداث فتنة في البلد، والحصول على موطىء قدم لها فيه وهناك حديث عن سيناريوهات مخيفة تعد لبعض المناطق.
لذلك، ثمة من يسأل هل هذا الوضع السيء هو قدر اللبنانيين والى متى يمكنهم السكوت عليه؟ سؤال لا بد أن يجد له الجواب قريباً انطلاقاً من المثل القائل:"كتر الدق بفك اللّحام".