مع الحقيقة: سمير دياب روسيا ونبأ الانسحاب العاجل من سوريا
أوعز الرئيس الروسي بوتين لوزير الدفاع شويغر بسحب قواته من سوريا بدءاً من يوم الثلاثاء 15 آذار. وجاء في بيان صادر عن الكرملين: أن بوتين أبلغ أوباما بأنه "تم بعد إنجاز المهمات الأساسية التي وضعت أمام القوات الروسية والخاصة بمكافحة الإرهاب الدولي، اتخاذ القرار بسحب الوحدات الأساسية من القوات الجوية الروسية من سوريا، الأمر الذي سيشكل بلا شك رسالة جيدة لكافة أطراف الأزمة وسيهيئ الظروف الملائمة لإطلاق العملية السلمية الحقيقية". كما أعلن البيان أن الأمر تم بالتنسيق مع الرئيس بشار الأسد".
بعد هذا الخبر الصادم بدأت رحلة البحث عن خلفيات الموقف الروسي، وطرح أسئلة مشروعة عن التوقيت!، ولو افترضنا أن الروس وسعوا من حضورهم في سوريا من أجل مهمة محددة ومؤقتة، إلا أنه كان من الممكن التمهيد مسبقاً للانسحاب الجزئي والإعلان عنه وفق جدول زمني محدد خشية العود على بدء. خاصة أن الروس يسيطرون على الجو ولا يوجد لديهم تواجد لفرق عسكرية ميدانية من مشاة ومدفعية ثابتة.
والسؤال هل ما جرى متفق عليه بين الأميركي - الروسي، أم هو تنسيق مقابل توزيع أدوار لحماية مصالح دولية كبرى في سوريا والمنطقة، أم نذهب بالتحليل الى مكان مقايضة "الحديد بقضامة" أي الاتفاق على الانسحاب الجزئي أو تخفيف الوجود الروسي مقابل رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية عن روسيا بعد الاتفاق الإيراني – الأميركي، أو إبقاء الوضع وفق حالة "ستاتيكو" لحين الانتهاء من موسم الانتخابات الأميركية..!
لا حاجة للقول إن القوات المسلحة الجوية الروسية نجحت في إعادة خلط الأوراق في سوريا، واستطاعت رسم خطوط النار ودفع الإرهاب بعيداً عن أي تهديد مباشر بإسقاط النظام القائم بعد السيطرة على اجزاء واسعة من حلب وطرد الجحافل الإرهابية من ريف اللاذقية، وغل يد الأتراك بعد إغلاق الحدود التركية – السوري، وإبعاد خطر المواجهة العسكرية في العاصمة دمشق وأطرافها، ما سمح للقوات الميدانية ( الجيش السوري – الإيراني – حزب الله – الأكراد) بتغيير قواعد اللعبة والتقدم الى مواقع استراتيجية غيرت وجه المعركة برمتها لحد الآن.
وعليه قرار الانسحاب الروسي المفاجئ يرسم أكثر من سيناريو للمعركة في سوريا والمنطقة:
مشهد أول: اتفاق أو تنسيق مشترك أميركي – روسي بعدم الإخلال بموازين القوى الدولية والإقليمية وحتى السورية الداخلية. ما يعني إطالة الحرب في سوريا دون حسم لطرف على آخر أو لمحور على آخر. وهذا الهدف يشمل أيضا الحفاظ على التوازن بين النظام بعد تثبيت موقعه وما يسمى المعارضة والارهاب.
أما العكس، أي بانتهاء الحرب في سوريا، فهذا يعني تغييراً كبيراً لغير مصلحة الأميركي انطلاقاً من سوريا، واعترافاً بتكريس محور النظام وإيران، وانتصاراً لحزب الله. ما يعني تأثير ذلك على الكيان الصهيوني، وهذا الأمر له حساباته الأميركية الصهيونية في الصراع الدائر. لذلك، ووفق هذا المشهد فإن معركة الإستنزاف ستطول في سوريا وفق خطوط التماس المستجدة لحين نضوج الحل الدولي بشكل أفضل.
مشهد ثان: ان تكون روسيا انسحبت وفق اتفاق مع أميركا وليس باتفاق مع سوريا كما تم الإعلان عنه، وأن انسحابها رسالة واضحة للضغط على الرئيس الأسد القبول بشروط المعارضات الدخول في مرحلة انتقالية.. خاصة بعد التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية السوري وليد المعلم واعتبر فيها الأسد "خطاً أحمر"وملكاً للشعب السوري، ولا مجال لانتخابات رئاسية وبرلمانية دون اشراف الحكومة السورية، أو تلك التي أدلى بها السفير بشار الجعفري نافياً وجود شيء اسمه مرحلة حكم انتقالي، ولذلك لن يتم التفاوض بشأنها، كل ذلك ربما شكل عامل استنفار للأميركي الذي رأى في هذه التصريحات إجهاضاً للمفاوضات، وخرقاً للتفاهم مع روسيا. مع الأخذ بعين الاعتبار الفكرة المتداولة حول "فدرلة سوريا" التي بدأ التداول بها وتشمل قضية الأكراد.
مشهد ثالث: قد يكون للاجندات الدولية مسارات لا تتوافق ومسارات ما نشتهي ونريد نحن. فالذي "يأكل العصي ليس كمن يعدها" وقد تكون هذه الأجندات ذات أوجه وأهداف متعددة، وتأخذ وقتها وتكتيكاتها، مع الأخذ فى الاعتبار حسابات روسيا ومصالحها ومسألة الغرق في مستنقع سوريا كما حصل في افغانستان. أو مسألة العقوبات المفروضة عليها وتأثيراتها على الوضع الروسي الداخلي بما فيها مسألة التلاعب بأسعار النفط .. وإن الانسحاب بخلفيته الحالية قد يتطلب وفق هذه الحسابات معارك متوسطة ومحدودة مع استمرار التفاوض والتشاور بين الجميع تارة أو بين بعض الأطراف تارة أخرى مع استمرار تغذية سوريا بالسلاح والعناصر الارهابية من قبل القوى الاقليمية اللاعبة ولا سيما السعودية وتركيا ودعم قطر.. وإبقاء لعبة الموت والتدمير مفتوحة الى ما بعد الانتخابات الأميركية ليبنى على الشيء مقتضاه.
كل هذه المشاهد قد تكون صحيحة وقد لا تكون، وربما هناك سيناريوهات أخرى لم نوردها أو لا نعرفها. لكن ما نعرفة أن القرار الروسي جعل كل الاحتمالات مفتوحة في منطقة مشتعلة وملتهبة، والتنفيذ السريع المفاجئ جاء إثر لحظة تراجع وارباك حقيقية أميركية – سعودية – تركية جراء مستجدات الميدان السوري بعد الحضور الجوي الروسي. وما نعرفه أيضاً أننا أمام مرحلة جديدة من حرب طويلة في سوريا والمنطقة والخطر على لبنان حقيقي وداهم من خطرين متوازيين ومتكاملين (الصهيوني والإرهابي) هما قناعان لوجه إمبريالي واحد تقودة أميركا نحو تفتيت وتدمير المنطقة عبر مشروعها الشرق أوسطي الجديد، ورسم معالم جديدة لسايكس بيكو جديد على أبواب مئوية القديم.
وإن كانت كل السيناريوهات القاتمة حاضرة بقوة، لكن يبقى الغائب الأكبر هو مشروع الوطني الديمقراطي التحرري البديل في سوريا ولبنان وفلسطين وكل المنطقة.