معادلة السلم الأهلي ومحاربة الفساد والبلديات د. خالد حدادة
بعيداً عن بيانات التطمين المشتركة، بعيداً عن خطابات التهدئة والدعوة لها. بعيداً عن رغبات المحللين، لا بد من التأكيد على أن السلم الأهلي بخطر وان البلد يعيش (ولو افتراضياً حتى الآن) مرحلة التمهيد لحالة أمنية تتوج الالتهاب السياسي الحاد الذي ساد المرحلة الماضية.
والوضع هنا لا يحتمل تجهيل الفاعل الأساسي، فالتوتر، بدأ مع عودة سعد الحريري إلى البلاد. وطبعاً نحن لسنا ضد عودة أي مغترب إلى الوطن ولكن لا بد من الملاحظة، بأن مع عودة الحريري بدأت مرحلة من التعبئة المذهبية الحادة. ترافقت مع فورة كبيرة في الإيمان الذي دفعه للصلاة يوم الجمعة في أكثر من مسجد وأكثر من منطقة وكذلك في اطلاق صفارة الاستعداد والتأهب للتصدي وضمناً (الانتقام).
والتوتر، تعاظم مع قرار "ملكية " آل سعود، بالتراجع عن هبة "افتراضية" كانت قد أعلنت عن منحها للجيش اللبناني وذلك احتجاجاً على موقف، سبق القرار بأكثر من شهر.
والأهم أن التوتر، ترافق مع بداية تطبيق الهدنة في سوريا، بما يؤشر إلى تطور الجهود الدولية، بما تحمله أيضاً هذه الجهود من مخاطر واحتمالات على الوضع السوري ومستقبل سوريا. وبغض النظر عن الموقف من هذا التطور، فإنه من الواضح عدم الرضا السعودي – التركي- الإسرائيلي عنها وبشكل خاص، عن ميزان القوى بصيغته الأخيرة وكل واحد من هذا الحلف الثلاثي، لديه ما يدفعه للضغط على هذا الاتفاق الدولي ومحاولة إجهاضه.
وأمر آخر، سبق هذا التوتر، هو القرار الجريء للجيش اللبناني، بإقدامه على الدفاع عن لبنان بوجه الإرهاب الجاثم على حدوده والمنتظر الإشارة التركية – السعودية للتحرك، للضغط في لبنان على الوضع السوري والوضع اللبناني في آن واحد. نعم تجرأ الجيش اللبناني وقام بعمليتين ناجحتين ضد الإرهاب داخل عرسال وفي استمرار قصفه لتحركات المسلحين في جرودها. نعم كفر الجيش ولم يفهم رسالة أحد الوزراء القبضايات، بأن عرسال محتلة ولكن حذار التدخل فيها من الخارج ( والجيش هو الخارج؟).
وآخر الإشارات، باخرة السلاح، والتي يبدو أنها أول الغيث ولن نستعجل بإطلاق الاتهامات، ولكن المصدر يؤشر إلى الجهة.
ولا ننسى، التهديدات التي طالت اللبنانيين، ليس من السعودية ودول الخليج فقط، بل بتصريحات المسؤولين اللبنانيين، الذين تعودوا على الذل والمهانة والاستجداء فهددوا اللبنانيين من على أبواب السفارة، بمصير أولادهم العاملين في الخليج. وتوج أمراء الذل، تصريحات الحاكم الطبقي للبنان، نقولا الشماس ومعه محمد شقير بتهديدات ذات بعد اقتصادي ومالي، فلحق اللبنانيين إلى الخليج، بعد أن نجحوا، مع ممثليهم في السلطة اللبنانية، في سلب حقوق المعلمين والموظفين والعمال في الداخل اللبناني.
* * * *
واضح من سياق التطورات، وبعد فتح الملف السوري - العراقي، للبحث الدولي، والتصريحات الأخيرة، تؤكد كلها ان هذا البحث يطال، حتى صيغة الدولة في كلا البلدين أن ما يجري في لبنان، غير معزول عن الموقف مما يطرح، وبالتالي محاولة "المتضررين" أو غير الراضين في مكان ما. والمكان الأنسب بطبيعته وهشاشة وضعه ونظامه السياسي المتأزم والعفن والذي يعجز عن حماية مؤسساته، وينخره الفساد ويعجز حتى عن حل مشكلة النفايات.
والشعار موجود، المشروع الإيراني والحد من انتشاره وتوسعه. وتقليم أظافر الجناح اللبناني لهذا المشروع والذي يشكل جزءاً من واقع سوريا الحالي أي حزب الله وسلاحه.
ولم تعد قضية التعامل مع الدور الصهيوني من المحرمات، عند عروبيي الزمن الأسود. فجاء الإعلان عن الاجتماعات السرية بين المسؤولين السعوديين والكيان الصهيوني، والتحذير الذي أطلقه أحد الوزراء "العروبيين" من ان هذا الوضع وسلاح حزب الله، قد يدفع للتعامل مع الشيطان. وطبعاً الشيطان هنا معروف، السعودية أو الصهاينة أو كلاهما.
إن هذا التكامل السعودي - الإسرائيلي، ليس جديداً ومعاناة اللبنانيين منه قديمة، يكفي ان نستعيد موقف آل سعود وحلفاءهم العرب، في شرم الشيخ، عندما غطوا عدوان تموز على لبنان. ولا المواقف لدى بعض الطبالين اللبنانيين مستغربة أيضاً، وهم الذين "طبّلوا" لهذا الموقف خلال عدوان تموز 2006.
وفي إطار هذه الشعارات، أتت القضية الأخيرة والتي وصلت الى ذروة خطيرة، تكاد، تدخل لبنان عملياً في أجواء الفتنة، بعد أن أصبح دخوله النظري محققاً.
وهنا لا بد من الإشارة، بأن الشحن المذهبي، يفقد مفعوله إذا كان من طرف واحد. المؤسف أن هذه الأجواء، لاقتها أجواء مماثلة وإن اختلفت في الموقع، فإنها توافقت مع الأولى في الشعارات المستعملة. وبغض النظر عن كون التحرك والتظاهرات التي جرت رداً على الفيلم الخبيث والسيئ الذي بثته MBC ، عفوية أو منظمة، فإنها وقعت في الفخ المذهبي نفسه، وكما تهدد السعودية بمعاقبة كل اللبنانيين على خطأ مفترض من وزير لبناني، فإن المتظاهرين بشعاراتهم المذهبية وممارساتهم، عاقبوا اللبنانيين على التصرف المشين لوسائل الإعلام السعودية، فبدا الطرفان وكأنهما يعاقبان الشعب اللبناني على أخطائهما وتناقضهما.
* * * *
بالإستنتاج، بذور الفتنة، تكمن في امتداد عمل الإرهاب من الحدود اللبنانية وسوريا إلى الداخل اللبناني، مستفيداً من التعبئة المذهبية ومن النظام المهتريء.
وما هو مطلوب، هو مواجهة هذا الإرهاب في المكانين. المواجهة كي تصبح فاعلة، لا يجب ان تكون تحت غطاء مذهبي مقابل. لأن أي غطاء مذهبي لهذه المواجهة، يحولها من مواجهة الإرهاب ومن خلفه، من السعودية وتركيا إلى إسرائيل وأميركا، إلى مواجهات مذهبية تخدم المشروع الأميركي - الصهيوني وتعطي، مسوغاً لوجود الإرهاب وبنية حاضنة له.
الطريق، التي ندعو خلالها لهذه المواجهة، تبدأ بإحتضان الجيش اللبناني ودعم وحدته والحفاظ على دوره في الدفاع عن لبنان ووحدته في وجه الإرهاب وإسرائيل وهذا الدعم يتخطى الدعم المعنوي، ليطال الضغط على الحكومة لأخذ إجراءات سياسية ومالية تدعم الجيش ولا تجعله عرضة للإبتزاز من قبل السعودية أو سواها.
والمطلوب ثانياً من قبل القوى الديمقراطية، إلى جانب دعمها للجيش وتصديها للجو المذهبي، المطلوب منها أن تستعيد الشعارات والقضايا التي تهم الشعب اللبناني وتستطيع توحيده حولها بدءاً من الدفاع عن حق المواطنين في انتخابات بلدياتهم وتعزيز دورها، وربما تكون البلديات أول الضحايا التي يسعى المتآمرون على البلد لتقديمها. وصولاً لاستعادة الحراك الشعبي المترافق مع النضال من أجل استعادة دور البلديات في المجال التنموي وبشكل أساس اليوم في حل مشكلة النفايات، وفي الدعوة لمحاسبة المسؤولين عن نهب أموالهم وسرقتها من سوكلين إلى من احتضنها وحماها وشاركها في عملية النهب.
* * * *
"معروف"، في ذكراك، نحن نحتاج للحفاظ على لبنان، على وحدته، على السلم الأهلي فيه قاعدة للتغيير والعدالة، التي استشهدت من أجلهما.