
شؤون عربية: حسين عبد الرازق التحالف الإسلامي .. والهيمنة السعودية
أعلنت المملكة العربية السعودية في ساعة متأخرة من مساء الاثنين 13 ديسمبر (2015) وخلال زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للقاهرة واجتماعه مع الرئيس " عبد الفتاح السيسي"، عن تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب.
وأذاعت وكالة الأنباء السعودية بياناً حول هذا التحالف جاء فيه ".. تأكيداً على مبادئ وأهداف ميثاق" منظمة التعاون الإسلامي التي تدعو الدول الأعضاء لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وترفض كل مبرر أو عذر للإرهاب، فقد تقرر تشكيل تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، وأن يتم في مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود".
وأعلنت السعودية أن التحالف الإسلامي العسكري يضم 34 دولة "إضافة إلى 10 دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها لهذا التحالف وستتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن ومنها أندونيسيا". والدول التي أعلنت السعودية مشاركتها في هذا التحالف تشمل 18 دولة عربية هي "السعودية ـ مصر ـ الإمارات ـ الأردن ـ البحرين ـ تونس ـ فلسطين ـ قطر ـ الكويت ـ لبنان ـ ليبيا ـ جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية ـ السودان ـ جيبوتي ـ الصومال ـ موريتانيا ـ المغرب ـ اليمن"، و11 دولة إفريقية هي " بنين ـ تشاد ـ توجو ـ السنغال ـ سيراليون ـ الغابون ـ غينيا ـ ساحل العاج ـ مالي ـ النيجر ـ نيجيريا "، و5 دول آسيوية هي "تركيا ـ باكستان ـ بنغلاديش ـ المالديف ـ ماليزيا".
وقال وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" إن التحالف الإسلامي سيعمل على جانبين:
الأول: يتصل بالأمن وسيسمح بتبادل المعلومات والمساعدة في التدريب وتسلم المعدات وإرسال قوات إذا كان ذلك ضروريا، وسيتم إنشاء "مركز قيادة مشترك " في الرياض.
والثاني: محاربة الفكر المتطرف "بحيث يشمل المسؤولين الدينيين والمربين والقادة السياسيين لنشر رسالة تسامح وإعتدال وحماية شبابنا من التطرف".
تساؤلات حول التحالف
وقد طُرح عديد من التساؤلات حول هذا "التحالف الإسلامي ضد الإرهاب".. لا في توقيت إعلانه وملابسات ذلك والجهة التي أعلنته وحسب، وإنما في أهدافه وآليات عمله وخططه للعمل الميداني، والأهم من ذلك كله التعريف الذي سيتبناه بشأن "الإرهاب" وخصوصاً أن المملكة السعودية التي طرحت الفكرة وأعلنتها ونصبت نفسها قائدة له، لديها "لائحتها" الخاصة للمنظمات التي تعتبرها إرهابية. فأي إرهاب هذا الذي تعتزم الدول المتحالفة قتاله؟ وهل للدول الـ 34 المنضوية فيه مفهوم موحد للإرهاب؟ ولماذا يضم التحالف الإسلامي مثلاً أوغندا وبنين والنيجير وساحل العاجل وجزر المالديف، ولا يضم دولاً محورية في المواجهة مع الإرهابيين كالعراق وإيران وسوريا وروسيا والصين وغيرها؟ ثم ما علاقة توقيت إعلان "التحالف الإسلامي" هذا بتطورات الوضع في اليمن حيث واجه "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية أيضاً، حائطاً مسدوداً بعد تسعة أشهر من حرب الخراب؟ وهل هي صدفة هذا التزامن ما بين إنطواء حرب اليمن إلى مرحلة التفاوض في سويسرا والانتكاسات العسكرية للتحالف الذي أصيب بكثير من الهشاشة والخيبات، ومبادرة الرياض إعلان تحالفها الجديد باسم الإسلام!".
الحكومة المصرية ترحب!
وبادرت الحكومة المصرية بالترحيب بهذا التحالف الإسلامي، وأعلن "المستشار أحمد أبو زيد" المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية "دعم مصر لكل الجهود الخاصة بمحاربة الإرهاب لاسيما إذا كان الجهد إسلامياً أو عربياً" وأكد "عدم وجود تعارض بين تشكيل التحالف الإسلامي العسكري والقوة العربية المشتركة. ووصف شيخ الأزهر "د. أحمد الطيب" تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بالقرار التاريخي.
وربطت مصادر صحفية بين قرار مصر دعم التحالف الإسلامي، وقرار الملك سلمان برفع استثمارات السعودية في مصر لتصل إلى 30 مليار ريال سعودي ( 8 مليارات دولار)، وتوفير احتياجات مصر من البترول لمدة خمس سنوات.
ولكن النظر إلى الدعم السعودي لمصر بموضوعية يؤكد أن هذا الدعم محدود، فالزيادة في الاستثمارات لا تتجاوز "ملياري دولار" حيث توجد استثمارات سعودية حالياً بما قيمته ستة مليارات دولار، خاصة إذا قارناها بالمساعدات التي قدمت لمصر من دول الخليج والتي وصلت إلى 25 مليار دولار بعد الإطاحة بنظام الإخوان ومحمد مرسي عام 2013 وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة. ولم توضح السلطات السعودية ما إذا كانت الإمدادات البترولية لمصر عبارة عن مساعدات أم ستقدم بشروط سداد ميسرة وهو الأمر الأكثر ترجيحاً.
العداء لمصر عبد الناصر
والواضح أن "التحالف الإسلامي" هو نسخة العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين من "الحلف الإسلامي" عام 1965 الذي حاولت المملكة العربية السعودية تأسيسه.
ففي خضم الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي المساند لحركة التحرر الوطني في الوطن العربي وأفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية والوسطى، أصبحت "المملكة العربية السعودية" تحت قيادة الملك "فيصل بن عبد العزيز" لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط لتنفيذ السياسة الأميركية في المنطقة، كان الهدف تقويض حركة التحرر الوطني العربية التي إقترن نهجها السياسي الخارجي المعادي للإمبريالية بإصلاحات داخلية موجهة ضد الاقطاعيين وضد البرجوازية المحلية الكبيرة" مما عمق نهج معاداة الامبريالية، وأغتنت الفكرة القومية السابقة بأيديولوجية التحولات الاجتماعية والبحث عن بنى وطنية ديمقراطية، وكانت مصر الرائدة على هذا الطريق إبان الستينيات".
"وتحولت المملكة العربية السعودية للمركز الرئيسي لمجابهة مصر عبد الناصر، وشرعت الطبقة الحاكة السعودية في محاولة تقويض نفود مصر وسوريا وغيرها من دول التحرر الوطني بالبحث عن سبل وأساليب لرص صفوف البلدان ذات الأنظمة المحافظة، وكانت فكرة "جون فوستر دالاس" وزير خارجية الولايات المتحدة حول إنشاء أحلاف عسكرية تساهم فيها الدول الغربية قد بلغت من سوء السمعة دركاً سحيقاً بحيث لم تجر حتى محاولة بعثها، وكان النظام الملكي لا يحظى بشعبية في غالبية البلدان العربية، وبغية رفع شعارات جاذبة لمواجهة فكرة القومية العربية والتضامن العربي المقترنة بالدعوة إلى التحولات الاجتماعية "الاشتراكية" توجهت السعودية لاستخدام "الإسلام". فتأثير "الإسلام" لم يخفت أو يتراجع حتى في الدول العلمانية مثل تركيا. وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات بدأت عملية "الانبعاث الإسلامي".
طرح الملك فيصل خطة تأسيس "الحلف الإسلامي" أملاً في جعله نقيضاً للجامعة العربية، وحظيت فكرة فيصل بتعاطف واشنطن ولندن اللتين كانتا تقليدياً تعتبران الدين حائلاً دون انتشار الأفكار الاشتراكية والتحررية. وزار الملك فيصل إيران في ديسمبر 1965، وأثناء مفاوضاته هناك اقترح لأول مرة علناً عقد مؤتمر قمة إسلامي، فأيد شاه إيران الفكرة، وفي 31 ديسمبر 1965 أعلن الملك فيصل في عمان (الأردن) أثناء زيارته لها رسمياً أنه سوف تشكل لجنة إسلامية للتحضير لمؤتمر قمة إسلامي.
"جابه فيصل معارضة شديدة من جميع الدول الإسلامية منذ الخطوات الأولى، فقد أثار تأييد "الحلف الإسلامي" من قبل الشاه عدو عبد الناصر وصديق إسرائيل، مخاوف حتى لدى العديد من الملوك العرب، وفي خاتمة المطاف لم يوافق على عقد مؤتمر الدول الإسلامية أحد بإستثناء إيران والأردن، أما البلدان الأخرى فقد عارضت مبادرة فيصل وأعلن الرئيس جمال عبد الناصر في 22 فبراير 1966 في خطاب ألقاه باجتماع جماهيري في جامعة القاهرة أن الامبريالية والرجعية تقومان بتأسيس الحلف الإسلامي، وأنه على غرار حلف بغداد والأحلاف السياسية الاستعمارية السابقة موجه ضد حركات التحرر الوطني.
الوهابية منبع الفكر الإرهابي
وإذا تركنا الجانب الأمني والعسكري لهذا "التحالف الإسلامي" السني السعودي وانتقلنا إلى الجانب الفكري والذي حدده وزير الخارجية السعودي "بمحاربة الفكر المتطرف" فسنصطدم بأن المنطلق الفكري السعودي القائم على المذهب الوهابي، هو منبع الفكر الإرهابي.
فمنذ البداية شكلت الوهابية حركة تعصب شامل تجاه أولئك الذين لا يتبنون مبادئها، بمن في ذلك المسلمون الآخرون. هذا التعصب الديني المتطرف اقتضى أولاً أن يستأصل رموز الحضارة غير الوهابية. إذ لم يكن هذا الأمر بمثابة ممارسة كونية للإسلام في الماضي. وحتى عندما تملك المسلمون الأماكن المقدسة لصالح العقيدة الإسلامية كانوا عادة يبقون على البنيات المقدسة القائمة منذ ما قبل الإسلام.
"وعقد "محمد بن سعود" حاكم الدرعية القريبة من الرياض عام 1744 حلفاً مع "محمد بن عبد الوهاب" مؤسس الوهابية. وتقول الرواية أن إبن سعود طمأن حليفه الجديد: "هذه الواحة واحتك، لاتخشى أعداءك. ولو اجتمعت نجد كلها لإخراجك لما إتفقنا على طردك"، وأجاب ابن عبد الوهاب قائلاً: "إنكم قائد الاستقرار ورجل حكيم. أريدك أن تقسم لي على كلمة جهاد الكفار".
وهكذا عقد إبن سعود ومحمد بن عبد الوهاب ميثاقاً أسس بموجبه إبن سعود الدولة السعودية الأولى، ووضع إبن عبد الوهاب عقيدتها الرسمية. كان الميثاق ـ بإختصار ـ صفقة سياسية حيث سيحمي إبن سعود إبن عبد الوهاب، وينشر عقيدته الجديدة، بينما يضفي إبن عبد الوهاب المشروعية على الحكم السعودي داخل دارة متسعة من قبائل البدو التي اخضعها الجهاد الجديد، وسمت الجماعة الجديدة حركتها باسم "الدعوة والتوحيد" لكن سميت العقيدة الطٌهرانية الجديدة في الغرب بالوهابية نسبة إلى مؤسسها، وسٌمي أتباعها بالوهابيين. ورغم أن محمد بن عبد الوهاب لم يؤسس مذهباً جديداً، فإن دعوته داخل المذهب الحنبلي تميزت بانفصال واضح عن الإسلام الأساسي. إذ ظل أتباع المذهب الإسلامي السني الواحد ينظرون طيلة قرون إلى أتباع المذهب الآخر كمسلمين حقيقيين، لكن إبن عبد الوهاب قطع مع هذا التقليد.
تحالف الوهابية والإخوان
ولجأت السعودية عام 1962 إلى تأسيس "رابطة العالم الإسلامي" وهي منظمة دولية مكرسة لنشر الإسلام وإحياء الوهابية، وخضعت الرابطة لهيمنة سعودية كاملة، وأتخذت من "مكة" مقراً لها، وأوفدت الرابطة البعثات الدينية، وجمعت المال لبناء المساجد، ووزعت أعمال "إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب". وأصبح بعض الأمناء العامين للرابطة وزراء في الحكومة السعودية. وباتت الرابطة ناطقاً غير حكومي باسم السعودية" ووسيلة لحماية العالم الإسلامي من الأيديولوجيات الأجنبية المتشدده، وكان المقصود بها في الستينيات القومية العربية والناصرية.
ولقد شب الجيل الذي رأى النور خلال الستينيات وبلغ سن الرشد خلال الثمانينيات برمته على العقائد الوهابية. ومنحت هيمنة الزعامات الدينية السعودية على منظومة التربية الوهابية إمتداداً وأثراً لا يصدق.
وتحالفت السعودية الوهابية مع جماعة الإخوان في الخمسينيات، عقب صدام الإخوان مع النظام الثوري الجديد ومحاولة اغتيال "جمال عبد الناصر" عام 1954 في المنشية بالاسكندرية، ولجأ العديد من الأعضاء المصريين في جماعة الإخوان إلى العربية السعودية، وحصل بعضهم على معاشات من الحكومة السعودية، وأصبح بعض "الإخوان" المصريين الذين وصلوا إلى المملكة العربية السعودية أواخر الخمسينيات شخصيات بارزة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، التي أمل السعوديون أن تكون بدلاً لجامعة الأزهر في القاهرة! وراكم إخوان آخرون ثروات هائلة في العربية السعودية.
والتمس مزيد من المتشددين الإسلاميين اللجوء إلى المملكة العربية السعودية من بينهم السوداني "حسن الترابي" والشيخ "عمر عبد الرحمن" و"أيمن الظواهري" و"عبد الله عزام".
وهكذا يتضح أن "التحالف الإسلامي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية بجانبيه الأمني العسكري والفكري يستحيل أن يكون هدفه محاربة الإرهاب، ولكنه وسيلة لهيمنة سعودية على المنطقة يخدم أول ما يخدم التعصب الديني والإرهاب.