
الحدث: مصطفى العاملي مؤسسات الدولة دخلت في غيبوبة وخطر الإرهاب لم ينته
أما وقد اكتمل عقد المؤسسات الدستورية المعطلة في لبنان، بعد أن انضم مجلس الوزراء إلى رئاسة الجمهورية الفارغة منذ سنة وأكثر من ثلاثة أشهر، والمجلس النيابي المشلول منذ ما بعد التمديد الثاني لنفسه، فإنه يمكن القول إن البلد دخل في غيبوبة سياسية من الصعب أن يستفيق منها في وقت قريب، وخصوصاً أن الطبقة السياسية الحاكمة باتت هي بدورها في حال احتضار كامل، وإلا فما معنى هذا الفشل الذريع الذي تصاب به على مختلف المستويات؟
دخلت الحكومة في حال نزاع منذ أشهر عدة، وهي ما زالت حتى اليوم ترفض تسليم الروح، بفعل الحقن الخارجية التي تعطى لها لإبقائها على قيد الحياة، ولو شكلاً، لأن ليس من إمكانية لتأمين بديل عنها في غياب رئيس للجمهورية، ونظراً لرغبة إقليمية – دولية بعدم إدخال لبنان في حال من الفوضى الشاملة، في وقت تشهد فيه الدول المجاورة، ولاسيما سوريا، تطورات من شأنها أن تنعكس سلباً على لبنان، وهذه الرغبة جرى التعبير عنها في مناسبات وأشكال عدة، حتى أن العماد ميشال عون وفي ذروة انفعاله ورفضه لما يسميه للقرارات اللادستورية واللاقانونية التي اتخذها مجلس الوزراء مؤخراً، وبالأخص قرار تأجيل تسريح الضباط الثلاثة، حرص على الـتأكيد على انه لا يسعى إلى تطيير الحكومة وان الحركة الاحتجاجية ستبقى تحت سقف استمرارها.
ولكن السؤال ما فائدة حكومة لا تعمل ولا تتخذ القرارات حتى التي تعنى بشؤون الناس المباشرة؟ مصادر سياسية معنية ترى وجود خطوط حمر لا يمكن لأي من الأطراف المتصارعة تجاوزها، ومنها بقاء الحكومة الذي يشكل حاجة ملحة داخلياً وخارجياً إلى أن يتم تحديد مسار التسوية في المنطقة، سلباً أو إيجاباً، وفي ضوء ما ستتمخض عنه المساعي الدولية الدائرة حالياً على أكثر من خط وفي أكثر من عاصمة معنية سيبقى لبنان في حال "الستاتيكو" السائدة منذ فترة طويلة، ولا مانع من حصول بعض الحوادث السياسية والأمنية التي تعطي شيئاً من الحيوية على المشهد العام، ومن هذه الزاوية يمكن فهم سلسلة الملفات والقضايا التي تثار فجأة ولبعض الوقت وسرعان ما تختفي تحت ضغط حدث جدي، من دون أن يعرف أحداً لماذا فتح هذا الملف وأثيرت حوله كل هذه الضجة الإعلامية ثم دخل في دائرة النسيان.
إذاً، دخل مجلس الوزراء نادي المؤسسات المتقاعدة عن العمل حتى إشعار آخر، وحسب المعلومات ليست هناك جلسة قريبة لمجلس الوزراء، وان الرئيس تمام سلام ما زال يسعى إلى تهدئة الخواطر وعدم الذهاب إلى الاصطدام المباشر مع أي طرف، وهو ارتأى بعد أن أدرك أن المساعي التي تبذل على خط التسوية وتدوير الزوايا للوصول إلى صيغة توافقية من شأنها إعادة تحريك العمل الحكومي، قد وصلت إلى الطريق المسدود، وخصوصاً أن التيار الوطني ما زال متمسكاً بموقفه الرافض للتمديد للقادة العسكريين، والمتمسك بالوقت عينه بعدم القبول ببحث أي بند على جدول أعمال مجلس الوزراء قبل الاتفاق على بحث آلية عمل الحكومة بما يؤمن مشاركته الكاملة في اتخاذ القرارات، في حين أن الرئيس سلام، مدعوماً من تيار المستقبل بشكل خاص، يرى أن ما يطالب به التيار هو اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة المحددة في الدستور وليس مسموحاً لأي كان التنازل عنها، وبالتالي فإن الإجازة الصيفية للمجلس قد تطول، وخصوصاً أن المكونات السياسية التي تتشكل منها ما يسمى بحكومة المصلحة الوطنية نسفت القواسم المشتركة في ما بينها واختارت المضي في المناكفات والسجالات العقيمة مع ما يستتبع ذلك من توتير ومن احتقان مذهبي وطائفي ومن تغييب للمصلحة الوطنية العليا، ولمطالب وحقوق المواطنين الذين وصلوا إلى حال اليأس من هذه الطبقة السياسية الفاسدة المتمسكة بهذا النظام الفاسد، الذي لا ينتج سوى الأزمات على أنواعها، ووضع البلاد على شفير الإفلاس في ضوء التضخم المخيف في أرقام الدين، وارتفاع نسبة البطالة وانخفاض مستوى الدخل القومي، وتدني الخدمات، خصوصاً على صعيد الكهرباء، هذا القطاع الذي صرفت عليه مليارات الدولارات ولم ينتج سوى العتمة التي تلف المناطق، وتكتمل سوداوية الصورة، إذا ما تجرأت الحكومة على حجب رواتب القطاع العام، من موظفين ومعلمين وعسكريين، الذين توحدت أركان السلطة ضدهم وتآمرت على سلسلة الرتب والرواتب.
كل ما يمكن أن يقال عن الأزمة السياسية في لبنان وما يتمخض عنها من تداعيات سلبية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي وحتى الأمني، يبقى قاصراً عن توصيف الوضع السيئ بدقة، فالفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة وصل باعتراف العديد من المسؤولين (وزراء) إلى مستويات غير مسبوقة، والخطير في الأمر أن السرقات واستباحة المال العام تجري على عينك يا تاجر، فالفجار من أهل السياسة لم يعد هناك ما يردعهم عن فسادهم، وخصوصاً أن هناك الكثير من أمثالهم، و "الكل بالهوا سوا"، وبالتالي ليس باستطاعة أحد فضح الآخر، ولذلك نرى بين الحين والآخر، هذا المسؤول يلوح بكشف فضيحة أو سرقة تحصل في هذا القطاع العام فيرد المسؤول عن هذا القطاع بطريقة مماثلة، ويؤشر إلى الاختلاسات التي تحصل في القطاع الذي يتولى مسؤوليته الآخر، وهكذا يتساوى الاثنان وتنتهي القضية عند هذا الحد، ولم تتم ملاحقة أي مسؤول في السلطة عن أي ملف حتى النهاية. رغم أن باستطاعته الحصول على التفاصيل، والأخبار تضج بالفضائح وليس هناك من يهتم أو يحاسب.
إن أي سلطة لا تستطيع أن تعالج نفاياتها لا بل تتحايل على شعبها وجبالها وسهولها ووديانها وأنهارها، من خلال رمي هذه النفايات فيها عشوائياً، ليست سلطة بل عصابة في جمهورية موز تضع يدها على مقدرات البلد، وليس هناك من يحاسب.
في ظل هذا الظلام السياسي الدامس، شكل توقيف الإرهابي، أحمد الأسير، نقطة ضوء في هذا النفق، بصرف النظر عن الظروف والمعطيات والتعاون ألاستخباري الذي حصل على أكثر من صعيد وجهة، وهذا يؤكد أن الأجهزة الأمنية، ورغم المحاولات الجارية لتطييفها وتوزيع ولاءاتها بين زعماء الطوائف، ما زالت قادرة على لعب دورها، إذا ما رفع السياسيون يدهم عنها، والأمر لا يقتصر على الأمن العام، بل على الجيش والقوى الأمنية الأخرى التي تتصدى للجماعات الإرهابية في جرود السلسلة الشرقية وفي ملاحقة وتوقيف الخلايا الإرهابية النائمة التي يمكن تحريكها في أي وقت، وهناك مخاوف جدية، وقبل اعتقال الأسير، من قيام هذه الخلايا بأعمال إجرامية، على شكل تفجيرات واغتيالات في بعض المناطق، لإعادة تحريك الفتنة المذهبية بعد أن خفت مستوى التداول بها.
وحسب المعلومات المسربة من التحقيقات الأولية مع الأسير انه بدأ يعترف على الجهات التي مولته وسلحته وساهمت في تضخيم حجمه، وتغطيه سياسياً، ولذلك بدأت الضغوط تمارس على التحقيق للحيلولة دون كشف أسماء السياسيين من لبنان والخارج الذين كانوا متورطين مع هذا الإرهابي الذي قام في فترة معينة بإقفال طريق الجنوب عن نحو مليون جنوبي إضافة إلى الجيش وقوات الطوارئ الدولية، هذا فضلاً عن الخطاب التحريضي المذهبي الذي كان يستخدمه لإحداث شرخ بين اللبنانيين.
وإذا كان الأسير، بعد أحداث عبرا، قد لجأ ولوحق وشكل عبئاً على من كان يأويه من اللبنانيين والفلسطينيين، فإن عملية إلقاء القبض عليه لم تكن مفاجئة بنظر الأجهزة الأمنية التي كانت على علم بنيته المغادرة إلى الخارج، وقد اجتمعت العديد من الخيوط التي أوصلت إلى هذه النتيجة الايجابية، التي يؤمل عدم تضييعها بحسب المصادر، كما غيرها من الانجازات على مذبح النزاعات السياسية والطائفية والمذهبية. وتتساءل المصادر عن الأسباب التي تدعو البعض إلى ربط هذه القضية وبين المتهمين بمقتل الرئيس رفيق الحريري، وهذا الكلام وإن محقاً بالمبدأ، فإن الأهداف من ورائه هي في الأغلب محاولة للوقوف إلى جانب الأسير وتحويله إلى ضحية، بمعزل عن مشاعر أهالي الشهداء العسكريين الذين قتلوا في معركة عبرا وكان الأسير بطلها.
والواضح أن معظم الأطراف المحلية والخارجية نفضت يدها من الأسير ولم تأت بأي تحرك احتجاجي باستثناء بعض زوجاته اللواتي قطعن طريق صيدا لبعض الوقت، وسرعان ما عمدت القوى الأمنية إلى تفريقهن، وهذا دليل على انه جرى استخدامه لفترة معينة ولهدف محدد. يمكن القول إنه تم تسجيل هدف مهم في مرمى الإرهاب ومن يحتضنه في لبنان، ولكن الخطر ما زال قائماً، طالما أن الدولة معطلة والمؤسسات الدستورية مشلعة، والنزاعات السياسية تحول دون تعزيز دور القوى الأمنية ومهامها وتطويرها ومدها بالسلاح المتطور في هذه المواجهة مع العدو الآتي من خلف الحدود ويوازي بخطره العدو الإسرائيلي.