
حدث ورأي: منذر بو عرم اليمن: الحل ليس في جنيف بل بمشروع وطني
كما كان متوقعاً انتهى مؤتمر جنيف بشأن الأزمة اليمنية إلى الفشل، ليس في المضمون فقط بل على مستوى الشكل، حيث أن هذا المؤتمر الذي رعته الأمم المتحدة لم ينعقد إلا شكلياً بسبب الخلافات المستحكمة بين فريقي النزاع اليمني، حول حجم التمثيل وطبيعته والارتباطات السياسية لتنتهي "حفلة جنيف" بإعلان الفشل والعودة إلى المربع الأول من الشروط والشروط المضادة.
هذا الواقع يشي أن الأزمة اليمنية تتجاوز بتعقيداتها الحسابات الداخلية للقوى المتصارعة، إلى الأجندات الخارجية الإقليمية والدولية، التي ترى في اليمن موقعاً جيو – سياسياً استراتيجياً لا يمكن التخلي عنه. ومما يعقد الأمر أن موازين القوة على الأرض الداخلية والإقليمية، لا تزال متوازنة، مما يعني أننا أمام مؤتمرات جنيف قد لا تنتهي، ولن تثمر بطبيعة الحال حلاً سياسياً يخدم المصلحة الوطنية اليمنية، بل في أفضل الأحوال حلاً سياسياً يكون نتاجاً لتسوية إقليمية – دولية تبقي أسباب الحرب قائمة، وهي تخدم بذلك مصالح الدول الإقليمية، على حساب الشعب اليمني الذي عانى عقوداً من قمع نظام علي عبد الله صالح وفساده، وهو أسقط علي عبد الله صالح ويواجه اليوم محاولته للعودة إلى السلطة، مستفيداً من تناقض المصالح.
وبعد انتهاء محادثات جنيف بين مكونات الصراع اليمني، تكثفت بصورة ملحوظة الحركة الدبلوماسية للوصول إلى تسوية، وكان آخرها ذهاب أعضاء وفد الحوثيين الذين شاركوا في جنيف، إلى مسقط، بالمقابل ذهب وفد من حزب المؤتمر الشعبي العام إلى موسكو، وفي كل من مسقط وموسكو يبحث في صيغ اتفاق، يبدو أنها لم تتوصل إلى صيغة لإنهاء الصراع في اليمن.
ومع استمرار المعارك في اليمن فإن الوضع الإنساني يتدهور، حيث قالت منظمة الصحة العالمية إنه تم الإبلاغ عن أكثر من 3000 إصابة بحمى الضنك، ولكن منظمات أهلية تقول إن الإصابات بالحمى بلغت أكثر من 6 آلاف حالة، وتعد عدن الأكثر تضرراً، وسكانها يشتكون من نقص الغذاء والماء.
أمام هذا الواقع المنذر بمخاطر تفتيت اليمن وتدمير كل مقوماته الاقتصادية وتمزيق نسيجه الاجتماعي والسياسي، بات ملّحاً تفعيل دور القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية اليمنية الرافضة للتدخلات الخارجية من أية جهة كانت، والرافضة لإعادة النظام السابق، بكل مكوناته وتسمياته، وهذا ما يوجب إطلاق برنامج وطني للحل السياسي يأخذ بعين الاعتبار أهداف الثورة الشعبية ضد نظام صالح، ووحدة اليمن أرضاً وشعباً، والطموحات المشروعة لهذا البلد الاستراتيجي بموقعه على باب المندب، في التنمية والديمقراطية الاجتماعية والسياسية للحاق بركب التقدم والخروج من دائرة الدول الأكثر فقراً في العالم. علماً أن ما جرى نهبه من مقدرات الشعب اليمني تقدر بستين مليار دولار في جيوب صالح وحاشيته، فضلاً على إنفاق مليارات الدولارات على الجيش الذي تبين أنه جزءاً حيوياً من النظام السياسي البائد كسلطة سياسية، والمستمر في كل مفاصل الحكم. هذا البرنامج الوطني التغييري يحصن اليمن من مشاريع التقسيم والسيطرة عليه، ويحصن نسيجه الاجتماعي في مواجهة القوى الإرهابية ومشاريعها السياسية، التي تصب في نهاية المطاف في خانة المشروع الأميركي التفتيتي للمنطقة. وبالتالي فإن المراهنة على اجتماعات جنيف وعلى تسويات تأتي من تفاهمات وتقاطعات دولية – إقليمية، لن تحقق أهداف ثورة الشعب اليمني.