
ايلي يشوعي: سبب الدين هو السياسة النقدية
منذ العام 1993 اعتمد لبنان سياسة تثبيت النقد، ولجأ إلى فوائد مرتفعة، وكان يستدين بكثافة من أجل إعادة البنى التحتية، وإعادة الإعمار. ما تسبب في عجوزات سنوية ومتتالية في الموازنات العامة. هذه العجوزات كانت تغطى بالاقتراض، وعلى الاقتراض فوائد مرتفعة. ودخلنا فيما يعرف بـ"كرة الثلج"، وهي الآن 70 مليار ومن دون سقف. لا يخبرنا أحد أن سبب الديون هو فقط مؤسسة كهرباء لبنان أو إلى ما هناك من حجج واهية أخرى. سبب الدين هو السياسة النقدية، التي انتهجها البنك المركزي منذ العام 1993، والتي قضت أولا تقوية الليرة اللبنانية، ومن ثم تثبيتها على 1500 ليرة مقابل كل دولار. بهذه الطريقة سار البنك المركزي، تماماً، عكس قواعد السوق، لأنه ألغى سوقين: سوق النقد وسوق القطع. مهمة البنوك المركزية في العالم أجمع السهر على انتظام هذين السوقين.
لقد تخلى العالم عن سياسة تثبيت النقد، وذلك عندما فُصل الذهب عن الدولار، وربطت قيمة العملة بالنتائج الاقتصادية. نحن عندما بدأنا بتثبيت سعر الصرف، العجز في الميزان التجاري كان بسيطاً، واليوم يبلغ العجز 15 مليار دولار، أي الفرق بين ما نستورد وما نصدر 15 مليار دولار! ما يعني عدم المرونة يدفع نسب الانحراف إلى الزيادة، ويعود السبب الأساسي في هذا إلى تثبيت سعر الصرف. تبدو سياسة تثبيت سعر الصرف شعبوية. والواقع عكس هذا فكم حافظوا على القدرة الشرائية، مع نسب التضخم السنوي؟ لماذا هناك تضخم على الرغم من تثبيت النقد؟ انه تضخم مستورَد! نحن نستورد كثيراً، وهو تضخم داخلي يعود السبب فيه إلى ضعف في المنافسة في الأسواق، والاحتكارات الكبيرة في الاقتصاد الصغير، وحصرية التمثيل التجاري. هل يُعقل أن يكون هناك بضعة شركات تمسك بعشرات الآلاف من السلع الاستهلاكية وتتحكم بها صعوداً ونزولاً؟ أين المنافسة؟ الليبرالية الحديثة تحتاج إلى منافسة!
الغلاء، وغياب فرص العمل، والأجور... كل هذا من أسباب تثبيت النقد، وهذا أكبر دليل على فشل هذه السياسة الاقتصادية. لا يمكن الاستمرار في هكذا سياسة! لنتوقف عن الادعاء بأننا نحافظ على الناس، 25 سنة من تطبيق هكذا سياسة ولد الفقر، فرص عمل غير كافية، مستويات أجور متدنية مقابل مستويات ارتفاع الأسعار، وغلاء لا يتوقف. السياسة النقدية بحاجة إلى تغيير.